wwww.risalaty.net


المرأة الغربية بين المطرقة والسندان


بقلم : محمود المختار الشنقيطي

لعل السؤال الذي يرمي بنفسه أمام هذا العنوان هو: ما لنا وللمرأة الغربية؟! لا يخفى أنني لو لم أكن أملك الإجابة – أو قناعتي الخاصة – لما طرحت السؤال. نعلم جميعاً – أو هكذا يُفترض– أن ما يتعلق بقضية المرأة،  بتحرر النساء – تلك العبارة المخادعة – إنما جاء كله بعد احتكاكنا بالغرب، وخصوصاً إبان سعينا الدائب لاستلهام نهضته، ومن هنالك سعت المرأة العربية المسلمة – وغير المسلمة وإن كانت الأخيرة هي التي تهمنا في هذا المقام – لتلحق بالمرأة الغربية، وتقلدها وتستنسخ تجربتها.

إن المرء ليشعر بالغضب إذ يجد المرأة المسلمة تسعى لتقليد المرأة الغربية دون أن تميز بين الفوارق الكثيرة بين وضع المرأة في الإسلام ووضع المرأة في الثقافة المسيحية، والنظرة الدونية التي تعامل بها المرأة هناك!!

إننا حين ننظر – نظرة خاطفة – إلى مكانة المرأة في الثقافة المسيحية فسوف نجد التالي:

((وفي المسيحية غلا رجال الكنيسة في إهدار شأن المرأة، وهم دعاة شريعة الحب والرحمة، فكانوا يقولون للنساء قولاً له وزن الشرع المقدس :

"إنه أولى لهن أن يخجلن من أنهن نساء، وأن يعشن في ندم متصل جراء ما جلبن على الأرض من لعنات"،(..) وقد ذهب البعض إلى أبعد من هذا، فزعموا أن أجسامهن من عمل الشيطان.. وأنه يجب أن يُلعن النساء لأنهن سبب الغواية، وكان يقال: إن الشيطان مولع في الظهور في شكل أنثى.. غلا رجال الكنيسة إلى هذا الحد حتى كان من موضوعاتهم التي يتدارسونها:

هل للمرأة أن تعبد الله كما يفعل الرجل؟ هل تدخل الجنة وملكوت الآخرة؟ هل هي إنسان له روح يسري عليه الخلود ؟ أو هي نسمة فانية لا خلود لها؟.)) [1].

وفي عام 586م عُقد مؤتمر لبحث إنسانية المرأة، ثم قرر المؤتمر بأغلبية صوت واحد بأن المرأة إنسان خلق لخدمة الرجل!!

وانطوت السنين، ومرت الحقب، حتى خرجت أوربا من ظلامها، ثم بدأت تتملص من سطوة الدين، ولكن  ذلك لم يغير النظرة الدونية للمرأة كثيراً. وجاءت ثورة علم النفس، والتطلع إلى أغوار النفس البشرية ..إلخ.

فهل أنصف ذلك العلم – على افتراض أنه علم – الحديث جداً المرأة؟

لم يتساءل (إدلر) إن كان للمرأة روح مثل الرجل، ولكنه رأى أن المرأة:

(منذ الطفولة – وباسم أفكار التمييز والتدني التي كانت من بين أكثر الأفكار أهمية – تُمنع الفتاة من القفز عالياً وتسلق الأشجار، وتتعلم أن السماء فوق الأرض، وأن الجحيم تحت، وأن الفشل يؤدي إلى السقوط إلى أسفل، وأن النجاح يعني الصعود إلى أعلى، وفي الصراع فإن دفعك كتفي خصمك إلى أن يلامساً الأرض هو الفوز، وهكذا فإن (تحت) تعني دائماً الفشل والهزيمة والخضوع والاستسلام والضعة والهوان، والمرأة هي دائماً تحت الرجل) [2].

أما كبيرهم سيجموند فرويد فإن رأيه في المرأة أسوأ، وإني أعتذر مرتين – أعتذر مرة حين أنقل كلاماً "خارجاً" من جريدة يومية، و أعتذر مرة حين أنقل ذلك من كتاب قبل أن أنقل كلامه – يقول الأستاذ عباس عبد الهادي:

( وجاء ((فرويد)) و بنى نظريته الجنسية على تحليلات استنتجها من شعور المرأة في ذلك الزمن بما تلاقيه من احتقار ذاتي كونها امرأة، فافترض أن كل امرأة من ولادتها حتى موتها ترغب بصورة لاشعورية في أن تكون رجلاً.. ) [3].

هذا ليس تحليلاً، هذه شتائم كان يُفترض بقائلها أن يؤخذ إلى المحكمة، أو إلى مصحة نفسية!!

الحقيقة أن الذي ينهش المرأة الغربية دون رحمة، هو احتقارها، والنظرة الدونية التي يُنظر بها إليها، إضافة إلى (كلمة حق أريد بها باطل) إن صح التعبير، وأعني جعل الثقافة المسيحية سيدتنا مريم العذراء عليها السلام رمزاً للطهر – وهي كذلك قطعاً – وبالتالي فإن مقاربة المرأة لمتعة الجسد – حتى في الحلال – تبعدها عن (الطهر)!

لقد ناضلت المرأة الغربية لتحصل على بعض حقوقها – مثل حق التملك، والذي حصلت عليه المرأة المسلمة منذ أن بزغ فجر الإسلام – يقول الأستاذ خالد القشطيني :

(.. ولكن أول طلقة نحو تحرير المرأة دوت ليس في فرنسا وإنما من إنجلترا بصدور كتاب ( أحقية حقوق المرأة) لماري ولستنكرافت عام 1792 . من هذا الكتاب تفرعت سلسلة من الكتب والرسائل والكراريس في الدعوة لتحرير المرأة،وتبنى الموضوع كثير من رجال الفكر وعلى رأسهم جون ستيوارت ميل) [4].

كانت فرنسا سباقة فقد  نشرت  أوليمب دو غانج  سنة 1791 إعلان حقوق المرأة والمواطنة [5].

رغم نضال المرأة الغربية للحصول على بعض حقوقها، إلا أن سطوة علم النفس – فيما يبدو – كانت طاغية ومسيطرة على عقول الجميع حتى النساء المثقفات، ولعل ذلك يبرر قول سيمون ديبفوار – شخصياً لا أعرف عنها إلا أنها اشتهرت بعيشها، دون زواج مع فيلسوف الوجودية  سارتر – عن المرأة:

((إن الذكر والأنثى المراهقين يحرزان اهتماماً بجسديهما بطريقين مختلفتين، فالذكر يرى أن جسده سهل وغير معقد، أما الأنثى فإنها فضلاً عن نرجسيتها إلا أن جسدها غريب وحمل ثقيل)) [6].

هذه الأفكار – وغيرها – ليس من الطبيعي أن تنتج شيئاً غير إناث كارهات للأنوثة، ساخطات على الرجال، ومن هنا نجد جيرمين غرير تنشر كتاباً تعلن فيه أن جنس النساء ليس لطيفاً، وإنما هو عقبة ما تزال المرأة تحاول تجاوزها.. ويمتد الأمر وصولاً إلى إنشاء (جمعية تقطيع أوصال الرجال) والتي جاء في بيانها، وكأنها ترد على فرويد:

(( أنه لما كان (الذكر) أنثى ناقصة فإنه يمضي حياته في محاولات يائسة ومستميتة لإكمال ذلك النقص عسى أن يصبح أنثى (..) ولكنه على الجانب الآخر يعمد إلى الإدعاء والتظاهر بأنه يمتلك كل الخصائص و المقومات الإيجابية التي هي في الحقيقة خصائص ومقومات أنثوية، فينسبها إلى نفسه، وأهم هذه الخصائص (التي تميز الأنثى عن الذكر) هي التكامل العاطفي، والاستقلال والإقدام الديناميكي والحزم والتماسك والموضوعية والاعتزاز بالذات والشجاعة والحيوية والقدرة على التركيز وقوة الخلق والمثابرة، فهذه كلها خصائص وصفات تنفرد بها الأنثى ويحاول الذكر أن ينسبها لنفسه، ويسقط على المرأة الخصائص والصفات (الذكرية) مثل الغرور والطيش والتفاهة والضعف وما إليها، ولكن لابد من الاعتراف – كما تقول فاليري سالونيس – بأن الرجل يتفوق على المرأة في مجال واحد هو مجال العلاقات العامة))  [7].

حين تكره المرأة نفسها – وخصائصها الأنثوية – فلابد أن تكره كل ما يذكرها بأنوثتها، ومن هناك بدأت المرأة الغربية تكره الإنجاب، حتى ذكر أحد التقارير: (أن الأمومة أصبحت في نظر البريطانيات (موضة قديمة).كما أن نسبة كبيرة من النساء يرغبن في البقاء بدون أطفال) [8].

ووصل الأمر حد اعتباره: (ظاهرة نسائية خطيرة بدأت تقلق خبراء علم النفس وعلماء الوراثة والمهتمين بشؤون البيئة وهي ظهور جيل عجيب من النساء الرافضات لإنجاب الأطفال وتروج لهذه الأفكار مجموعة من متزعمات الحركة النسوية الأمريكية ولم تلبث الأفكار أن رحلت عبر المحيط في سرعة البرق إلى أوربا كلها) [9].

كراهية الذات، والأطفال، والعداوة مع الرجل،لم يكن لها إلا أن تقود المرأة الغربية إلى مستنقع تغوص فيه، وتصنع ساحة حرب تقاتل فيها الرجل. يقول الأستاذ القشطيني:

(من الثورة الجنسية في الستينيات انتقلنا إلى الثورة الأنثوية في السبعينات، والتي قادتها جرمين جرير بكتابها الشهير حول الإناث، وفيه شنت حملة شعواء على الذكور والذكورية ودعت إلى الاكتفاء الذاتي للمرأة. وكانت جرمين جرير امرأة سحاقية وهو العنصر الجديد الذي دخل حركة تحرر المرأة (..) كان اتحاد الملاكمة البريطاني لا يسمح للإناث بالانضمام إليه، فجن جنون الأنثويات، وعلى ذلك جرى نقاش طويل حذر فيه الأطباء من قيام المرأة بالملاكمة لأن أي لكمة تصيب الثدي تؤدي إلى تشوه بالخلايا مشابه للسرطان وربما يكون ممهداً له ولكن من يسمع يا سيدي؟! أصرت المرأة على حقها وجرت أول ملاكمة نسائية في الشهر الماضي وتهالك الرجال على شراء بطاقاتها، ومن يلومهم وهم يرون امرأة تكيل اللكمات لثدي امرأة أخرى والأخرى تأن وتتأوه.. من الكاسب الحقيقي؟ بالطبع الرجل هذه متعة جديدة قدمتها له امرأة غبية على طبق من فضة (..) والآن سمحت أمريكا وبريطانيا للمجندات بالقتال في الخطوط الأمامية.. تهانينا للرجال فما أعرفه عنهم في معظم الجيوش أنهم يصونون سلامتهم بالتهرب من الذهاب للخطوط الأمامية واستعمال شتى الواسطات لذلك. لا نهاية لحماقات دعاة الأنثوية) [10].

 

بين التراجع والانطواء

ليس من المستغرب أن تكتشف كثير من الأنثويات أنهن كن يجرين خلف السراب، ويُصارعن الفطرة، ومن ثم فقد وجدنا من تكتشف أنها كانت تكره أنوثتها. مثل الصحفية  الأمريكية (لوس فريمان) والتي  تقول:

(.. وهكذا ساعدني جون على اكتشاف مسألة – زادتها وضوحا ذكريات طفولتي – مفادها أنني أخجل من كوني فتاة ولست صبياً. وهذا الخجل كان دافعي لأقلد الصبيان في طفولتي ولأعمل بالمساواة مع الرجال فيما بعد. ومن ثم فقد كان هذا الخجل من كوني فتاة هو الذي يمنعني من التفكير في الزواج الذي هو مصير كل أنثى، وفيه ما فيه من الاستسلام للرجل) [11].

كما يقول الدكتور أحمد أبو زيد عن سيمون ديبفوار:

(حين بلغت الأربعين من عمرها انتابها الخوف والفزع والهلع لأنه بدا لها أنها أضاعت تلك السنوات وهي تجري وراء سراب.) [12].

أما جرمين غرير فيقول عنها الأستاذ خلدون الشمعة أنها:

(أصدرت في الستينات كتابها الشهير، الذي لم تلبث أن تراجعت الآن عن معظم أفكاره، مؤكدة أنها تعتقد بوجود فروق جوهرية بين الأنوثة والذكورة أو بالعلامات الفارقة التي تميزها عن الرجل.) [13].

وقد حنَّت غرير للإنجاب، في عمر متأخر، مما جعل الأستاذ محي الدين اللاذقاني يعلق ساخراً:

(من الآن وإلى أن ينجلي دخان المعارك عن منتصر واضح بين جيلين من حركات التحرر النسائي في الغرب لا يستطيع اللبيب إلا أن ينصح بعدم تقليد الماركات الغربية حتى تثبت صدقها ونجاحها فمن كان يصدق أن جرمين غرير ستتراجع عن معظم الأفكار التي طرحتها وستعود للبحث مثل أي فقيرة هندية عن إشباع غريزة الأمومة والتي كانت تنظر إليها قبل ربع قرن كوسيلة من وسائل استعباد النساء وها هي تسعى إلى العبودية برجليها فلا نامت أعين الحرات المزيفات) [14].

أما إيريكا يونغ فيحدثنا عنها الأستاذ منير عامر:

(إن "إيريكا يونج" وهي واحدة من أشد المتعصبات لحرية المرأة في الولايات المتحدة والتي كتبت روايات وقصصاً فاضحة تصور الرجل مجرد أرنب صغير يبحث عن برسيم اللذة في حضن المرأة، لم تتزوج إلا رجلاً أجبرها في لحظة ضعف أن تقول له: (( يا سيدي أنا خادمتك)). وقد اعتزلت هذه السيدة الكتابة مدة عامين، وما زالت مستمرة في العزلة حتى الآن، وذلك أنها تجاوزت الخمسين وهي تحيا في رحاب شاب في الثلاثين.) [15].

قبل تراجع المتراجعات، كانت خبيرة الرياضة الروحية الصينية (تش ناوي) قد صرخت:

(وعندما تتزوج أنت زميلتك فلن تقبل أن ترتق لك جواربك وإن فعلت ذلك، فهي ستفعله وكأنها تتفضل عليك به، وإن أنجبت منها طفلاً فهي لن تربيه بإتقان وحنان، لأن قلبها مشغول بهواء فاسد، هواء النظرة إلى المرأة ككائن يجب أن يتفوق على الرجل، ولذلك تترك تربية الابن الصغير في حضانة امرأة تحترف تربية الأبناء دون تفاعل عاطفي فينشأ الطفل وكأنه قرد آلي.)  [16].

 

ما دخل شقائق الرجال؟!!

ما علاقة المرأة المسلمة، بوقوع المرأة الغربية بين المطرقة والسندان؟! المرأة المسلمة التي تفتح عينها لتقرأ أن الله سبحانه وتعالى خلق الجن والإنس لعبادته، وقد تقرأ بعد ذلك قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما معناه : (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.. ومعنى ذلك أن الأنوثة – من حيث هي أنوثة – ليست مانعاً للكمال...

فهل تستوي شقيقة الرجال، مع المرأة الغربية؟!!

حين نريد أن نعود إلى بداية تأثر المرأة العربية بالمرأة الغربية – ولست أعرف متى حصل ذلك بالضبط – فإن أول ملاحظة تكشف لنا عن وجهها، هي أن التاريخ يعيد نفسه! إذ يبدو أن المؤتمرات النسائية التي شغلتنا في زماننا هذا – مؤتمر بكين 1995، ومؤتمر خمس سنوات بعد بكين، والذي عُقد في نيويورك سنة 2000، وصولاً إلى مؤتمر القاهرة وما تلاه – ليست أكثر من امتداد لمؤتمرات قديمة، مثل ذلك المؤتمر الذي عٌقد في مدينة استوكهولم سنة 1889م، وشارك فيه الشيخ حمزة فتح الله (1266 – 1336هـ)، ببحث عنوانه : (باكورة الكلام على حقوق النساء في الإسلام)، ثم طبعه في كتاب سنة 1308هـ.

في زمن لا يبعد كثيراً – بمقاييس الزمن- عن الزمن الذي كانت المرأة الغربية فيه تناضل لتصبح لها (ذمة خاصة)، ذلك الحق الذي حصلت عليه المرأة المسلمة من أول يوم بزغ فيه نور الإسلام، ولم تحصل عليه بعد مظاهرات قامت بها نصيرات – وأنصار – قضية المرأة، وإنما هو حق أصيل وهبه لها خالقها سبحانه وتعالى. في ذلك الزمن الذي لا يبعد كثيراً، نجد السيدة هدى محمد سلطان ( 1296 -  1367 هـ) والشهيرة بهدى شعراوي – نسبة لزوجها علي باشا شعراوي – تهرع إلى مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي بروما سنة 1932م، فتخاطب النساء المجتمعات، وتُخبرهن أن المرأة العربية:

(في أشد الحاجة إلى الاشتراك مع المرأة الغربية لتقتبس من أخلاقها وعاداتها ومدنيتها وكل ما يتفق مع النهضة العامة) [17].

يتواصل نسج المرأة العربية على منوال المرأة الغربية، وتتزايد الصرخات التي تندد بظلم الرجل للمرأة، مما جعل الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) تصرخ:

( أريد لنا أن نحتفل بالسنة الدولية للمرأة، فيالله ما كان أكثر المؤتمرات والندوات والخطب والمقالات، عن ظلم الرجال للنساء، والتشريعات الجائرة التي صاغها الرجال على هواهم، فاغتالوا حقوق المرأة المستضعفة، كم ضجت المحافل والمنابر بدعاوى الاتهام في جلسات محاكمة الرجال (..) فكأنما كانت تلك السنة ترسيخاً لمقولة ضعف المرأة وعبوديتها وتقريراً لدعوى الخصومة الشاذة بين جنسين لا تعرفهما الفطرة السوية إلا متكاملين.) [18].

وتواصل المرأة العربية سيرها خلف المرأة الغربية، فنجد الأستاذة عائشة لمسين تطرح سؤالاً على الدكتورة نجاح العطار، وزيرة الثقافة السورية السابقة:

(فأقطع عليها حبل الصمت بأسئلة حول رأيها بقضايا الجنس لدى المرأة. فتجيب:

-  ماذا تريدين أن تقولي؟ أتقولين أن الرجل أكثر حرية بجسده من المرأة؟ إن موجة "التحرر الجنسي" غريبة عنا كما هي غريبة بالتأكيد عن الأسرة الأوربية في كيانها المعنوي. ونحن نرفض هذا النوع من التحرر.)

يبدو أن الأستاذة عائشة ظنت أنها ستجد رداً مثل رد بعض أخواتنا حين طرحت عليهن – في جدة – سؤالاً عن الحرية الجنسية، فتعددت الإجابات، وتكلفت بعض الوجوه الرصانة – حسب تعبيرها – ثم ختمت المتحدثة دفاعها عن وضع المرأة السعودية، وتساءلت .. أما الحرية الجنسية، فإني لا أفهم ماذا تعنين بها؟ فتقاطعها أخرى.. لا نملك المواهب المناسبة لهذا! أعني الاستعدادات، ماذا أقول؟ فبدت السيدة لمسين هناك متعالية، ولكنها حين وجدت هذه الإجابة التي تعرف صاحبتها ماذا تقول، تحولت إلى موقف الدفاع، فقالت:

( .. إني أفهم، مما أشير إليه، هذا الشقاء الجنسي الذي يفرضه زوج لم تختره المرأة /هذه قضية أخرى تماماً/ وجهل هذه بجسمها، وكونها مضطرة لتحمل آلام الحمل والولادة.) [19]. ومن خضم الاضطرار إلى تحمل آلام الحمل والولادة انبثقت فكرة أن تأخذ الزوجة أجراً مقابل أعمال المنزل! يقول الأستاذ صلاح قبضايا:

(وتفتق ذهن عباقرة هذه الجمعيات عن فكرة عجيبة. وكانت الفكرة ببساطة تتلخص في تقاضي أجر مادي يُتفق عليه مقابل العمل داخل البيت، ورعاية الأطفال (..) طبقاً لدخل الزوج ومستواه الاجتماعي (..) واستثنت الجمعية العلاقات الزوجية "الخاصة") [20].

 

التصادم مع الدين:

تلك مشكلة حيرت الأنثويات العربيات – أو بعضهن على الأقل – وهي مشكلة لم تعترض طريق المرأة الغربية، إذا أن الرجل هناك سبقها لنبذ الدين. ومن هذا المأزق نطالع الإستراتيجية التي قررت بعض السيدات اتخاذها لمواجهة تلك المشكلة، وهن يعشن في مجتمع، ما بين متدين، أو يميل إلى التدين، لنستمع إلى ندوة (محاولة لصياغة نظرية نسوية متقدمة) .. تقول الدكتورة نوال السعداوي:

((هناك من النساء من تصر على الاعتقاد – وهذا شائع جدا – بأن المرأة كانت – وما زالت – منذ بدء الخليقة تأخذ هذا لدور الدوني وأنه لم تأت فترات في التاريخ اختلف فيها دورها عمّا هو عليه الآن، ونحن حينما نعثر في التاريخ – على مراحل كانت فيه المرأة {هكذا} تسمي أولادها باسمها – وكانت الأمومة محترمة – وكان الجنس محترماً- نقوش الكهوف – وكانت تحكم – وكانت آلهة ..)) فتقول إلهام كلاب:

(( إن نبش الماضي بهذه الصورة الجذرية، يجعلنا نقف وقفة طويلة متأملة مع الدين والأسلوب الذي تعامل به مع المرأة أو وضع المرأة في الأديان السماوية، إن نصف المعتقدات الراسخة في أذهان البشر – في الماضي القريب – والحاضر – وربما المستقبل المنظور – أتت من الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، وكل تعرض لمسألة المرأة يقود بالضرورة إلى التعرض للدين وهنا الاحتياط والفخ .. فما العمل؟)). فترد عليها ليلى الحر متسائلة:

(( ولماذا نحن مضطرون لربط تحرر المرأة العربية بإعادة النظر في الدين؟ أليس من الحكمة أن نجنّب أنفسنا سوء التفسير والحملة التي قد يشنّها المتعصبون علينا، وهم كثر، ونكتفي من نقد الدين بنقد المتدينين مثلاً؟! إننا لا نستطيع بالطبع الخروج على التاريخ – والقفز عن استعمال الديانات القديمة والحديثة لعرقلة نمو وعي المرأة ولا نملك البحث في (تخلف) المرأة وصولاً إلى تقدمها، ما لم نبحث في أسباب التخلف، وأولها صورتها الممسوخة والتابعة والثانوية في الأديان..))  [21].

ها نحن نوشك أن نصل إلى نهاية هذه الرحلة، وأجد حيرة في الطريقة التي سأخرج بها من هذا البحر الذي أشعر أنني ورطت نفسي بالدخول إليه! ولكنني سأكتفي بوضع هذه الأسطر تحت أعينكم، علها تضيء شمعة في طريق المرأة المسلمة -  وخصوصاً في السعودية - و التي يراد لها أن  تقع في نفس الحفر التي وقعت – من زمن طويل – فيها المرأة الغربية، وكأن الفرق بين المرأتين ليس أكثر من عين مهملة هنا، وغين معجمة هناك!! رغم أن الأمر أكبر من ذلك بكثير.

 

اعتراف بعدم الفهم!!

رغم أن الاعتراف بالجهل – أو عدم الفهم - محرج، إلا أنني أعترف بأنني لم أستطع فهم ما قصدته الأستاذة لبنى الغلاييني، وهي تجري حواراً – عبر القناة السعودية الأولى - مع إحدى الفتيات العاملات، وتقول لها بأن وجود دخل مستقل للمرأة مهم وأنه.. يمكن من ممارسة قيم المرأة!! فهل للمرأة قيم غير قيم الرجل؟!! آه كم الجهل مخجل، ومع ذلك فأستطيع أن أضيف – من نفس الباب – أنني كنت أجهل ذلك السباب الذي يوجهه الغربيون للمرأة، حال شتمها، فيصفونها بـ (البقرة) ولم أكن أفهم معنى ذلك!! وظللت أخفي جهلي، حتى شاهدت فيلماً أجنبياً، به رجل يكره النساء، وكان في حوار مع صديق له، يحاول الدفاع عن المرأة، فقال كاره النساء: إنهن مثل البقر، لديهن .. وأشار إلى صدره!! فانقشعت غمامة الجهل، ونطق لسان الحال.. إذا صارت محاسني التي أدل بها عيوبا .. فقل لي كيف أعتذر؟!!

إن كنت سأختم هذه الورقة، فسوف أختمها بحوار من تمثيلية تلفزيونية:

- الأم : (في صوت منخفض،كأنهما تتآمران) اسمعي، عندما عدت من منزلك ليلة الأمس وجدت (مارتي) هنا ومعه فتاة.

- الخالة : من؟

- الأم : (مارتي).

- الخالة : (مارتي) ابنك؟

- الأم : (مارتي). من إذا تظنين أن يكون هنا في المنزل، ومعه فتاة؟

- الخالة : هل كانت الأنوار مضاءة؟

- الأم : طبعاً ( تقطب وجهها فجأة لأختها) الفتاة متخرجة من الجامعة.

-  الخالة : هؤلاء أسوؤهن. إنهن يدخن في السيارات كالرجال.

{حوار من تمثيلية تلفزيونية بعنوان (مارتي) للكاتب الأمريكي: بادي تشابفسكي، ترجمة: صلاح عزالدين، تاريخ مقدمة المؤلف 1954م}.

ما أكثر عجائب هذه الدنيا... وما أقرب الليلة من البارحة!!

 

المصدر: موقع لجينيات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

الهوامش:

(1) الإسلام والمرأة المعاصرة، ص14، البهي الخولي، الكويت، دار القلم، الطبعة الرابعة، 1403هـ - 1983م.

(2) اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والمعاصرة، ص220، د. أحمد علي المجذوب، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، 1993م.

(3) المرأة والأسرة في حضارات الشعوب وأنظمتها، ص 85 جـ 1، المحامي: عبد الهادي عباس، دمشق، دار طلاس، الطبعة الأولى، 1987م.

(4) جريدة الشرق الأوسط العدد 6925 في 13/11/14997م.

(5) النسخة العربية من لوموند دبلوماتك عدد يوم الجمعة 16/11/1429هـ، 14/11/2008م.

(6) اغتصاب الإناث في المجتمعات القديمة والمعاصرة، ص 221 – 222.

(7) عن مقال: (ماذا تريد المرأة.. هل تسعى إلى تقطيع أوصال الرجال) للدكتور أحمد أبو زيد، مجلة الهلال القاهرية، ص 22 – 23 ، سبتمبر 1995م.

(8) جريدة الشرق الأوسط العدد 5978 في 11/11/1415هـ ، 11/4/1995م.

(9) عن مقال: الملاك يغادر البيت،للأستاذة نفسية عابد، مجلة أكتوبر العدد 914 في 1/5/1994م.

(10) جريدة الشرق الأوسط العدد 6925 في 13/11/14997م.

(11) مجلة الثقافة النفسية العدد الخامس، المجلد الثاني، كانون الثاني – يناير، 1991م.

(12) مجلة الهلال القاهرية، عدد يونيه 1995م.

(13) جريدة الشرق الأوسط العدد 5562 في 19/2/1994م.

(14) جريدة الشرق الأوسط العدد 6433 في 23/2/1417هـ.

(15) مسافة بين القبلات، ص 13، منير عامر.

(16) مسافة بين القبلات، ص 128، منير عامر.

(17) المرأة المسلمة، ص66، نذير حمدان، 1410هـ.

(18) المرأة العربية المعاصرة إلى أين؟، ص 37 – 38، د.صلاح الدين جوهر.

(19) حُكم الأصوات : النساء العربيات يتكلمن، ص 198، عائشة لمسين، ترجمة: د.حافظ الجمالي، دمشق، دار طلاس.

(20) جريدة الرياضية العدد 2644 في 24/7/1415هـ، 26/12/1994م.

(21) مجلة قضايا عربية، ص 279 – 280، السنة السابعة، العدد الثاني، شباط، فبراير 1980م.