wwww.risalaty.net


الإسلام وتغير المناخ.. خطة السنوات السبع


بقلم : أمل خيري

 

برز الاهتمام العالمي بقضايا البيئة باعتبارها تمس مصالح البشر كافة، خاصة ما يتعلق بمشكلة تغير المناخ والاحترار العالمي، حيث تعد الأزمات والكوارث البيئية التي يتعرض لها العالم حالياً من أعقد الأزمات التي واجهت البشرية منذ نشأتها والتي تتأثر بها كافة الشرائح والطوائف الإنسانية.

وقد نشأ هذا الاهتمام في الغرب مع ظهور جماعات الخضر الذين يشنُّون حملة واسعة ضد الإساءة للبيئة من خلال الضغط على حكوماتهم لسنِّ تشريعات قانونية للحدِّ من تلوُّث البيئة ومنع الاستغلال المفرط للطبيعة إلا أن السنوات أثبتت أن هذه الجهود لا تكفي فالأمر لا يتوقف على إصدار التشريعات بل إنه يتطلب ضميراً حياً يمارس الرقابة الداخلية على الفرد ليمنعه من الإساءة للبيئة التي يعيش فيها؛ ولذا فإن الدين والإيمان يمكن أن يضطلعا بدور حاسم في إيقاظ ضمائر البشر وتنظيم علاقاتهم بخالقهم وبالبشر وبالبيئة بجميع عناصرها.

 

مدخل إيماني لحماية البيئة

وباعتبار الطابع العالمي لمشكلات البيئة ظهرت اتجاهات جديدة تدعو للحفاظ على البيئة والتصدي للتحديات التي تواجهها من خلال إثارة القيم الدينية في نفوس البشر حسب ما يعتنقون من أديان ومن بين هذه الجهود "تحالف الأديان والمحافظة على البيئة" وهو مؤسسة بريطانية نشأت عام 1995 كهيئة علمانية مهمتها معاونة أتباع كل دين على تطوير قدراتهم في إدارة وتنفيذ البرامج البيئية على أساس تعليمات هذا الدين وانضمت للشراكة مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة من خلال برنامج مبتكر يهدف لمعالجة قضايا البيئة وخاصة مشكلة تغير المناخ.

ويعتمد هذا البرنامج على وضع خطة زمنية لمدة سبع سنوات تنبع من المبادئ والقيم التي يدعو إليها الدين بغرض مساعدة المجتمعات المحلية على اتخاذ القيم الإيمانية حافزاً للمواطنين على تغيير سلوكياتهم تجاه البيئة والمساهمة في الحفاظ عليها، وقام التحالف بالفعل بإصدار دليل إرشادي لكيفية إعداد خطة السبع سنوات لمواجهة مشكلة تغير المناخ وقدمت الدعوة لممثلي جميع الأديان للشراكة في هذا البرنامج وتقديم الخطط في موعد أقصاه شهر نوفمبر 2009، واستجابت العديد من الطوائف للفكرة سواء من أتباع الديانات السماوية أو غيرها وقدم المسلمون خطتهم كذلك.

وفي الوقت الذي برز فيه مفهوم الإسلام البيئي تساءل الكثيرون عما يستطيع الإسلام أن يقدمه للبيئة وما هي المفاهيم البيئية التي يمكن أن تُستمد من الإسلام، وقبل شهر مضى أكدت زيجريد نوكل (وهي متخصصة في علم الاجتماع وكتبت العديد من الأبحاث عن الإسلام البيئي وحماية البيئة في الإسلام): أنه برغم وجود مفهوم حماية البيئة في التراث الإسلامي فإن المسلمين المعاصرين لم يقوموا بدراسات ميدانية شاملة حول الوعي البيئي، والمبادرات الإسلامية في هذا المجال محدودة لا تتجاوز الإطار النظري؛ لذا فإن مبادرة "خطة السنوات السبع للمسلمين" تعد أبلغ رد على زيجريد نوكل وغيرها ممن ينتقد الأداء البيئي للمسلمين.

 

الإسلام البيئي

كتب الكثيرون نظرياً عن الإسلام وتشريعاته الرامية لحماية البيئة وفق التصور الإسلامي، ولكن ظلت المبادرات العملية غائبة عن الساحة وما ظهر منها كان تجارب فردية مشتتة قامت بها بعض المنظمات الإسلامية مثل المؤسسة الإسلامية لعلوم البيئة (IFEES)، المؤسسة الإسلامية للعلوم والبيئة بنيودلهي، المركز الأفريقي للتنمية المستدامة بنيجيريا. كما صدر الدليل الأخضر للمسلمين لمواجهة تغير المناخ عام 2008 برعاية جمعية صناع الحياة في المملكة المتحدة والمؤسسة الإسلامية لعلوم البيئة، إلا أن هذه المبادرات افتقدت لطابع العالمية، وهنا كانت الحاجة الماسة لمبادرة عملية قابلة للتطبيق وهو ما قدمه مركز حوار أصدقاء الأرض EMDC وهو مؤسسة إسلامية غير ربحية مقرها في المملكة المتحدة تهدف للمحافظة على البيئة من منظور إسلامي وتعنى بالتحديات الرئيسية التي تواجه العالم، كمشكلات الفقر وحقوق الإنسان من خلال الحوار مع شركاء لإيجاد حلول تقوم على أسس دينية لهذه التحديات.

وفي إطار ورشة العمل حول "الإسلام والبيئة" التي عقدت في أكتوبر عام 2008 بالكويت تم الاتفاق على مشاركة أعضاء من دول إسلامية مختلفة لإصدار خطة السنوات السبع للتعامل مع تغير المناخ، وبالفعل أسهم 22 من المشاركين بالورشة من 14 دولة إسلامية في مختلف أنحاء العالم في إعداد هذه الخطة برعاية مركز حوار أصدقاء الأرض، ومن المزمع تقديم هذه الخطة إلى مؤتمر إستانبول الذي يعقد يومي السادس والسابع من شهر يوليو 2009، وقد وضعت خطة المشروع بعد العديد من الاجتماعات وورش العمل، وتعرض على ما يقرب من ثمانين عالم إسلامي خلال المؤتمر لمناقشتها وإقرارها.

 

خطة السنوات السبع

وتقدم الخطة الرؤية الإسلامية لمشكلة تغير المناخ من خلال إجراءات عملية ليتم اعتمادها في مؤتمر إستانبول والذي تحددت أهدافه فيما يلي:

1. تقديم رؤية إسلامية في مجال البيئة بصفة عامة وتغير المناخ على وجه الخصوص.

2. تحديد ودراسة التفاعلات بين الحضارة الإسلامية والبيئة، وعرض نماذج لتلك التجارب.

3. مناقشة التحديات التي تواجه العالم وخاصة ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.

4. رصد جهود العالم الإسلامي بصفة عامة والجهود المميزة لبلدان بعينها في مجال مكافحة هذه التحديات.

5. عرض المشاريع والتجارب التي ظهرت في العالم الإسلامي للتعامل مع تغير المناخ والاحترار العالمي.

6. دراسة مختلف الموارد والمصادر التي يوفرها العالم الإسلامي، وتحديد تلك التي يمكن استخدامها في تنفيذ الخطة التشغيلية للتعامل مع هذه المشكلة.

7. وضع مشروع نهائي لخطة عمل من سبع سنوات يمكن تطبيقها في العالم الإسلامي لمواجهة ظاهرة الاحترار العالمي وتغير المناخ.

وتتضمن هذه الخطة الرؤية والمهمة والأدوات الممكنة والموارد، ونقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات والأهداف المحددة وجدولا زمنيا للتنفيذ خلال سبع سنوات.

 

معالم الخطة

يمكن تلخيص رؤية واضعي الخطة في تصور أن العالم هو بيئة آمنة لأطفالنا والأجيال القادمة يعيش فيها جميع الأمم من مختلف الأديان في وئام مع الطبيعة في إطار من العدالة والتمتع بنصيب عادل من خيرات الله.

أما المهمة التي يسعون لها فتتمثل في تعبئة جميع موارد الأمة الإسلامية من أجل المساهمة في الجهود العالمية الجارية لمعالجة تغير المناخ على أساس خطة بيئية لمدة سبع سنوات تعكس القيم والرؤى الإسلامية.

وقام واضعو الخطة بتحليل للوضع الحالي حيث أوضحوا أن نقاط القوة تتمثل في:

1)   النصوص الإسلامية الثرية التي تدعم فكرة حماية البيئة.

2)   وجود الكثير من الأنشطة التاريخية والحالية في هذا المجال.

3)   إمكانية مساهمة العلماء المسلمين.

4)   وجود بعض التجارب الناجحة في العالم الإسلامي.

5)   جهود العديد من العلماء المسلمين الذين أجروا أبحاثا في هذا المجال.

6)   الوصول بالتدريب للمدارس والمستويات الشعبية.

7)   القدرة على التشبيك.

أما نقاط الضعف فتمثلت في:

1)   ضعف الطاقة التنفيذية.

2)   الافتقار للسلطة اللازمة لتناول هذه القضايا.

وتكمن الفرص في:

1)   الأوقاف الإسلامية الدولية.

2)   أن النموذج الإسلامي يمكنه المساعدة في حل النزاعات بين البلدان المتقدمة والبلدان النامية.

3)   وجود قضية مشتركة واهتمام عالمي بالقضية.

وهناك أيضا تهديدات تواجه تنفيذ الخطة:

1.        عدم الاستجابة من مختلف الهيئات الحكومية.

2.        الخطط طويلة الأجل تكون عرضة للأحداث التي يمكن أن تغير من مسار الخطط.

وحددت الخطة الإستراتيجية التي تنبني عليها فيما يلي:

1.   التركيز على جهود نخبة من القادة والمؤسسات الإسلامية.

2.   الشراكة مع المؤسسات ذات الصلة من أتباع الديانات الأخرى.

3.   تعزيز الجهود الجارية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي والتكامل معها.

4.   التركيز على المؤسسات التربوية الرسمية وغير الرسمية في المجتمعات المسلمة.

5.   التركيز على الهيئات الحكومية ذات الصلة.

6.   الاستفادة من الأصول القائمة.

7.   استخدام جميع وسائل الاتصال المتاحة.

8.   استخدام الشبكات المتوفرة ذات الصلة.

9.   وضع خطة دعوية للتواصل والتشبيك.

10.   إنشاء آلية مستدامة للرصد والتحقيق والتقييم.

11.   تقسيم الخطة إلى أهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.

12.   العمل مع المؤسسات التشريعية التي تملك سلطة إصدار وتعديل القوانين.

ورصدت الخطة أربعة أهداف إستراتيجية أساسية وهي:

من خلال إنشاء مظلة مؤسسية لرعاية تنفيذ الخطة، إحياء مفهوم الوقف مع إنشاء وقف خيري خاص بتغير المناخ خلال عام، إنشاء صندوق تمويلي للخطة، استحداث جائزة سنوية للبحوث المتعلقة بالمحافظة على البيئة، الدعوة إلى إدخال تعديلات على الدساتير تشمل المحافظة على البيئة، تقديم منح صغيرة للمنظمات من أجل تنظيم حلقات عمل في هذا المجال.

عن طريق تقديم منح لعشر من باحثي الماجستير والدكتوراه حول الإسلام وتغير المناخ تخصص إحداها لصحفي وذلك خلال 5 سنوات، إنشاء كرسي للدراسات المتعلقة بالتعامل مع المناخ في أحد معاهد الأوقاف، إعداد أدلة للمعلمين في المراحل المختلفة لتدريس قضايا المناخ خلال 3 سنوات، تقديم الدعم للمؤلفات والبحوث التطبيقية في هذا المجال، تدريب الأئمة على معالجة هذه القضايا، إنشاء قاعدة بيانات للبحوث في مجال تغير المناخ، دعم ترجمة ونشر الكتب العلمية والدراسات، بناء نموذج لمسجد صديق للبيئة في مختلف البيئات، مع الاستفادة من المشاريع البيئية القائمة في العالم الإسلامي.

من خلال التشبيك والتواصل مع الجماعات البيئية العالمية، بما فيها مبادرة كلينتون العالمية والمنظمات الأخرى ذات الصلة، إنشاء شبكة من الصحفيين المسلمين المهتمين وتشجيعهم على التواصل مع غيرهم، إيصال الرسالة باستخدام برامج التلفزيون، المجلات، وغيرها من وسائل الإعلام، تنظيم المؤتمرات، إنشاء قناة تلفزيونية خاصة للإسلام والبيئة على أن تبث بلغات مختلفة، توثيق ونشر قصص النجاح، إنتاج فيلم عن آثار تغير المناخ في المستقبل على الدول الإسلامية بالتعاون مع الجمعية الجغرافية الوطنية وقناة ديسكفري، إعداد ونشر دليل للخبراء في وسائل الإعلام لإظهار الكيفية التي يمكن بها التعامل مع مفاهيم تغير المناخ، اختيار 10 مدن إسلامية لتنفيذ الخطة، تنظيم معرض دولي متنقل عن الإسلام والبيئة.

حيث يتم البحث عن المبادرات السابقة المشابهة وإنشاء قاعدة بيانات خاصة بها، مع تقييم مستوى التنفيذ فيها، وتحديد النقاط المشتركة بين خطة السنوات السبع وبين هذه المبادرات.

 

إجراءات التنفيذ

حددت الخطة أيضا الإجراءات التنفيذية المطلوبة لكل هدف إستراتيجي والأهداف الفرعية المندرجة تحته، حيث تمت مناقشة كل إجراء من مختلف الجوانب مثل الأولوية في التنفيذ، المنتج النهائي، والفئة المستهدفة، المضطلعين بالأدوار، والإطار الزمني، والمدخلات، ومؤشرات لتقييم الإنجاز، وكل هذه الإجراءات تم رصدها في جداول توضيحية مفصلة مرفقة بالخطة.

وتنتظر الخطة أيضا بعد العرض على المؤتمر عدد من الخطوات اللازمة من بينها جمع التعليقات والاقتراحات المقدمة على الخطة ثم إعادة كتابتها وتنقيحها ومناقشتها مع عدد من العلماء المسلمين، ثم إنشاء الإطار المؤسسي "الاتحاد الإسلامي للعمل مع تغير المناخ (MACCA) "وتحديد الموقع الملائم له ومتابعة إجراءات الإنشاء والتسجيل والعضوية، وتحديد أهداف هذه المؤسسة وإجراءات تحقيق الأهداف، مع وضع جدول زمني للتنفيذ، وبالنسبة لمؤتمر إستانبول فقد حددت الخطة أيضا سبل تغطية نفقات المؤتمر وتحديد المشاركين وإصدار بطاقات الدعوة للمؤتمر، وأخيرا ينتظر للخطة إنشاء الوقف الخاص بتغير المناخ والذي سيقوم بتمويل تنفيذ الخطة خلال السنوات السبع القادمة.

 

مصادر وقراءات:

“Draft of” The Muslim 7 Year Action Plan (M7YAP) To Deal with Global Climate Change Prepared by Earth-Mates Dialogue center EMDC London – UK.
The
Istanbul
Conference - M7YAP Declaration- 6/7 July 2009
www.dialogue4all.com
Alliance of Religion and Conservation (ARC)
موقع قنطرة

Muslim Green Guide to Reducing Climate Change


أمل خيري: كاتبة ومترجمة

المصدر: موقع إسلام أون لاين نت