wwww.risalaty.net


صوت الحياة كان عالياً.. أما سمعتموه؟؟


بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم

 

ما أروعها من لحظات حين نغفو على صوت دقات قطرات المطر على نوافذنا، ونصحو على نغماتها: صبـــاح الخير... بكل ما للخير من معانٍ متدفقة مع المطر..

 

 

ما أحلاها من رحمات نشعر بتنزلاتها علينا ونحن في بيوتنا..

حين نقف على الشرفة، ونشعر بقطرات المطر تلامس وجوهنا بلمساتها الندية.. فنرفع أيدينا وندعو الله بقلب شاكٍ لا يرجو الخير إلا من الله سبحانه، كيف وهو يرى الرحمة تتنزل على أرض الشام..

ما أغلاها من أيامٍ مرت علينا والمطر لما تنقطع بعد.. ونسمات البرد عادت لتحمل مع المطر دفئاً لا يشعر به إلا ذوو النفوس المتصلة بربها: أن الدفء هنا في القلب، وإن كانت ذرات الجو حولك تحمل الصقيع في ثناياها..

كيف وهو دفء الشتاء الذي يخرج مع إشعاعات قلوبنا الراجية من الله خيراً ورحمة؟؟!.. ولمَ لا وهي تنزُّلات الرحمة تنساب برفق مع قطراتٍ متتاليةٍ من المطر الغالي على قلب أي حي؟؟

 

 

وقفتُ على الشرفة في ساعات الليل المتأخرة أشاهد قطرات المطر التي تتكاثر وتقوى، ثم تخفّ من جديد، شعرتُ بلسعات البرد، لكنها كانت أضعف من أن تدخلني من تحت المطر..

سمعتُ نداءات الحياة من حولي.. نداءات تشكر الله على الرحمات والخيرات، ونداءات تصدح بالحمد والتسبيحات..

سمعتها.. تسبيحات لا تنقطع، ودعواتٌ ترتفع ساعة السحر لتطرق باب عليٍّ كريم، وهي موقنةٌ أنه أكرم من أن يردها خائبة، كيف لا وهو الذي وعدها بقبول الدعوات في هذه الدقائق: (( هل من سائل فأعطيه.. هل من داعٍ فأستجيب له)) * ؟؟!!.. كيف لا وهذه اللحظات تجمع من الخير قبول الإجابة ساعة السحر ووقت نزول المطر؟؟

 

 

تعالت في الجو ساعتها النداءات والدعوات لتشكل تسبيحاً واحداً بحمد الله وشكره، وارتفعت مع الهواء لتعلو وتعلو وتصل إلى ربٍّ كريم وعد بإجابتها، وحلقت في الجو مع الرحمات وخالطتها وشكلت معها نوراً أضاء السموات، نوراً لا يراه إلا المحلقون معها في هذه الساعات، نوراً يضيء القلوب مع السموات ويجمعها ويضمها لتصبح جسداً واحداً.. كل القلوب في هذه الساعة كانت قلباً واحداً.. قلباً يلهج بذكر الله وحمده، قلباً يرجو الخير من رب الخير، ويرجو الكرم من أكرم الأكرمين، ويرجو الستر من الستِّير الذي عودنا كرمه وستره..

كل القلوب اجتمعت، سمعتُ نبضاتها تنبض نبضاً واحداً، يعلن للدنيا أنه صوت الحياة حين ماتت القلوب بضلالها، وينادي بقية القلوب أن هُبي للحياة وكوني معنا قلباً واحداً لا يأنس إلا بذكر الله ولا يحن إلا لحمد الله ولا يشكر إلا للـــه!!!

صوت الحياة كان عالياً في تلك اللحظات، صوت الحياة كان حنوناً وغالياً.. صوت الحياة كان فريداً ومتوحداً.. صوت الحياة كان ينطق اسماً واحداً للوجود.. كان ينطقه مع كل نبضة من نبضات القلوب المجتمعة، كان يقول لي ولكل من يشعر بالرحمات في هذه اللحظة: (( اللـــــــــه ))!!!!!!!!!

صوت الحياة كان عالياً.. ولكن.. ما كان سيسمعه إلا ذوو النفوس الحساسة، المرهفة السمع.. وما كان سيفقهه إلا أصحاب القلوب التي تنبض على ترنيم النبض الواحد في تلك الليلة.. أما سمعتموه ؟؟!!!!!

 

ـــــــــــــ

* مسند الإمام أحمد رقم 17941.