wwww.risalaty.net


لغةَ الأوائل... واشوقاه


بقلم : رزان نزار سلوم

بسم الله الرحمن الرحيم

 سدرةُ الحُسنِ وذروةُ الجمالِ مكانٌ تتيهُ فيه لغتُنا العربية وَتختال، لذلك لن أَلزمَ الحياد وأنا أكتب عن لغتي و أسطورة عشقي.

وسأغمسُ قلمي بمداد من روحي لأسطّر كلماتٍ عن لغةٍ إذا دَخلتَ جنةَ حروفِها قلتَ: ما شاء الله لاقوة إلا بالله.

تأثيرها يشدو بالأرواح إلى بلاد الأفراح، تروي القلوبَ بأكرم نتاج، و ُتضيء العقولَ بأنور سراج.

فسبحان مَن جعل هوى نفسي يستلذُّها و يميلُ إليها، و للنّاس مذاهب يجدون فيها هواهم و لذّتَهم، و قد علم كلّ أناسٍ مشربَهم

 فإن وافقَ هواكَ هوايَ فقد كُتِب لي النجاحُ، و إلاّ فهي صرخةٌ في وادٍ، و نفخةٌ في رمادٍ..

إنّما تنجحُ المقالةُ في المــر       ءِ إذا صَادفَتْ هوًى في الفؤاد

و لولعِ الفؤادِ بلغةِ الضّاد ذوقٌ سليم و فِكْرٌ قويم، إلاّ أنّ لوثةً سَرَتْ جعلَتْ بعضَ الأذواق تَستسيغُ حُطامَ الكلام، حروفاً لا شرقية و لا غربية يسمّونها بالعامية، تخفض المرفوع وترفع المنصوب، مليئة بالثقوب والعيوب والنّدوب، ضلّت وأضلّت، تدفّقَ حمقُها حتى غدا وباء اسمه: اللّحْن، لحنٌ شوّه جمالَ اللفظ، وعبث بِنُبْلِ المعنى، لقد مشى هذا اللّحن إلى الألسنة حتى صرنا نسمعه من المذيع الذي يلوك الكلام لوكاً وكأنه يغرز شوكاً، و من الخطيب الذي يمتطي صهوة منبره فتكبو به فصاحة لسانه، وعمّ هذا اللحن وتصدّر المحاضرات ودروس الجامعات، ووصل إلى بعض المختصين بالأدب فأصبحوا يَلْحَنون باللغة التي كُتِب بها ذلك الأدب.

 ورحم الله سلمة بن عبد الملك إذ قال: "اللَّحنُ في القول أقبحُ مِنَ الجدريّ في الوجه".

والأقبح منه أن يكون اللّحن من طالب الشريعة أو طالب الأدب العربي؛ لأنّ صلتهما بالعربية صلةُ دين بلغة، وَصَلَتْهُما إرادةُ الله عندما اصطفى خاتم رسله صلى الله عليه وسلم من العرب، وجعل العربيةَ لَبوسَ كتابه الكريم.

فاللغة العربية هي اللغة الرسمية لكل مسلم، وواجب الابن البار أن يكون بلغة دينه مرفوع الهامة، وبالذود عنها منصوب القامة، يرفع منارها ويخفض لحنها ويجزم بجمالها، ولسان حاله في مخاطبة اللحن واللاحنين يقول: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا، فمن نكد الدنيا على الفصيح أن يُبتلى بمعاشرة أقوام سرى فيهم اللحن مسرى الدم، عندها سيقف يبكي من ذكرى لغة حبيبة هجرها أبناؤها واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، لكن على قدر أهل العزم تنتشر اللغة الفصيحة وتسود.

يقول أستاذي الدكتور مازن المبارك: اللغة صفة الأمّة في الفرد، و آية الانتساب إلى القوم، وحكاية التاريخ عن اللسان؛ فمَن أضاع لغتَه فَقَد تاه عن أمته، وفقدَ نسبَه، وأضاع تاريخه..

ألم يئن لأصحاب الغيرة أن يهبّوا في وجه مَن يحرّفون الكلم عن مواضعه؟

وأن يستسقوا من لغتهم غيثاً هنيئاً سحاً غدقاً، يسقون به عطشى الأفئدة وظمأى الفكر؟

وأن ينقذوا لغتهم من ألسنة يحسبها الظمآن ماء؟

يقول أستاذي الدكتور أيمن الشوا: إن الخير لا يرجى لهذه الأمة إلا من وراء عنايتها باللغة العربية التي هي العروة الوثقى للمّ شعث الأمة ووصل حبالها مهما بعدت الدار وشط المزار، و لا حياة للبلاد إلا بحياة لغتها..

و كم عزّ أقوام بعزّ لغات

فيا قارئ الحرف ويا شقيق اللغة قدّم لغةَ حامل الأمانة، وأخّر اللَّحْن ولوثة الخيانة، واشرب من نهر البيان بيَدِ الفصاحة وقل: ذهب الظمأ و ابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله.