wwww.risalaty.net


نفحةٌ من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم


بقلم : جعفر الوردي

كَم هيَّجَتْ أشواقَنَا ذكرى النَّبيْ         في يومِ هَاجرَ بِالصَّلاحِ لِيثْرِبِ

مِن بعدِ أنْ ذَاقَ العناءَ بمـكةٍ            مِن كفِّ خطَّاءٍ لئيمٍ مُذنـبِ

وصديقُهُ الصديقُ صاحبُهُ الذي           فَألُ السَّعادَةِ جـاءَهُ بالمَطلَبِ

وغَدا لخيرِ المرسلينَ مُصاحـباً          في هجرةٍ جـاءت لَنا بالمَرغَبِ

وفَدى الحبيبَ بنفسِهِ وبمـالِهِ          وعَلا إلى أنْ صارَ فوقَ الكَوكَبِ

ومَشى الحبيبُ بِقصْدِهِ مُتوجِّهاً            نحوَ المدينةِ ذَاتِ طَلـعٍ طَيِّبِ

وغَمامةٌ فـوقَ النَّبيِّ تـظلُّهُ             وحِراسَـةُ الدَّيـانِ لم تَتَغيَّبِ

فطَوى الفَيافي - مَن فؤادي دُونَه-    ورأى المَشقَّةَ في الشُّروقِ ومَغرِبِ

وتَناقَلت في مَـكَّةٍ أخبارُهُ               أنْ أدرِكُوا بجـوائزٍ ذاكَ النَّبي

وسَرَا سُراقةُ نحو أَحمدَ مُسرِعًا           حتَّى غَدا من قَصدِهِ بالمَـقرُبِ

غارتْ بِهِ ما كانَ يركبُ في الثَّرى       فإذا بهِ مُسـتنجِدٌ بالمَـطلَبِ

فأجارَهُ خيرُ الورى بإِشـارَةٍ           لكنَّ حبَّ عطائِهِمْ لم يَـغرُبِ

فأشارَ أحمدُ ثانـياً بيـمينِهِ            فغدتْ قوائمُ خـيلِهِ في التِّريَبِ

فدرَى سراقةُ أنَّ أحمدَ أحمدٌ                وبأنَّهُ نجمٌ عـليُّ المَـنصِبِ

فأصاخَ سَمعًا للرَّسولِ وصدَّقتْ           أركانُـهُ أنَّ النبوةَ في أَبِـي

ولأُمِّ مَعبدَ قد بَـدتْ أنوارُهُ           فتعجَّبتْ، هـذا النَّبيُّ أتـعجَبِي!

هذا الذي مَشَـتِ العوالِمُ دُونَهُ        في وَجـهِهِ كلُّ المَحاسِنِ فاطلُبِي

قَدِمَ المدينةَ فاسـتحالَتْ طيبَةً           وتميَّزتْ عن غَيرِهـا بالطَّيِّبِ

بشـرى لها ولأَهلِها بقدومِهِ       قد غَـابَ عنهم كلُّ ضرٍّ مُعطِبِ

وتَبَارَكتْ أنحاؤُهَا وديارُهَا            وتكلَّمتْ: أَنعم بِه من سَـيِّبِ

قلبَ الزمانَ بهديهِ ورَشَادِهِ           وبَنَى الرجالَ فما تَرى من غَيهبِ

نشرَ الفضيلةَ في البِلادِ جميعِهَا       وهَدى العبادَ إلى طريقٍ مُخْصِبِ

وجَلا الحقـائِقَ للعُيونِ مبيِّنًا          سَـنَنَ الرَّشادِ وماحِقًا لِتَعصُّبِ

فجَزَى الإلهُ نبينَا بمقامِـهِ             وبما يَسُـرُّ فـؤادَهُ من مَطلَبِ

نفسي وإِنْ طالَ الزمانُ فداؤُهُ        هذا اعتقـادِي بل دِيانةُ مذهَبِي

فإِليَّ يا ابنَ فَواطِمٍ وعَواتِكٍ            فأنَا عُبيدٌ مـا لَهُ مـن مُعْصِبِ

قُمْ يا رسـولَ اللهِ إنا هَمَّنَا            همٌ، فجـاهُكَ أحمدٌ لمْ يُسلَبِ

إنَّا المَوَاتُ وأنتَ حيٌّ بيننَا            فاسْقِ المَواتَ بشَـربَةٍ من مَشرَبِ

أدرِكْ أَيا خـيرَ البرايَا مُكلَمًا          لعِبتْ بهِ مِحَنُ الزمـانِ بِمَلعَبِ

واللهِ مَا قَصَدَ الإلـهَ محمدٌ            إلا وجَـاءَ الكونُ يدنُو كالصَّبِي

إذْ كلُّ مخلـوقٍ لهُ مـتذلِلٌ            لِجَنابِـه، وهـو النَّبِي ولا نَبِي

وأنَا عُـبيدُك جعفرٌ جاءَتْ بِهِ             نُـوقُ البيانِ بشعرِهِ المُتَطيِّبِ

فقلِ القَبولُ حليفَكُم ومصيرَكُم            وأمـانةٌ مـن كَونِنَا المُتقلِّبِ

إنْ لمْ يكنْ عملٌ لديَّ فإنَّ لِي          رَحِمٌ لـديكَ ووصْلُها مِن أَقرَبِ

وعلى النَّبيِّ الهَاشِـميِّ غَمامَةٌ         تَهمِي بسحْبٍ من سَلامٍ مُعشِبِ

وتَسِحُّ مِسكًا مِن صلاةِ مُمَجَّدٍ           وتُقيلُ عثرةَ مـادحٍ والمُنجِبِ

وكذا على أُمي البتولِ ونَسلِهَا        أهلِ التُّقى مَن جَاهُهُم كالكَوكَبِ

وعلى الصِّحابِ الفاضلينَ جميعِهِم     عدَّ السـحابِ الجارياتِ وتَورَبِ