خواطر معتمر في العشر الأواخر
بقلم : هاني داود
خواطر معتمر في العشر الأواخر
أرجو من الله أن تكون هذه الخواطر خالصة لوجهه الكريم ، راغبا أن أشارك بها الأحبة في الله متلمسا منها الهداية لكل محب لزيارة الحرمين وباعثا على الهمة وباثا الرغبة في النفوس ومرشدا لها لمن يعزم الزيارة ، وأستشعر في كتابة هذه اللواعج والخواطر أن تكون خالصة لله من عبد فقير له بإذن الله. هذه الأبيات ألهمني الله بها وهي غيض من فيض ما ألم بي من حب وشوق ووحشة لطيبة ومكة المكرمة أستهل بها خواطري:
يا بكة يا مكرمة ياحرم الله |
يا من لفراقها بكت كل خلق الله |
وضمت قاصي وداني من أرض الله |
وكل عاصي تاب إلى الله |
أشواقنا إليك ترحل كل يوم |
وعيوننا إليك طافت بحرم الله |
وأنوار الكعبة المشرفة مقسومة من نور الله |
وهيبة وشرف وتكريم أفاض عليها الله |
أنارت قلوبنا وحضنتها بحبل الله |
وصلتنا وبثت الرحمة والرقة من الله |
ويا طيبة يا بلد حبيب الله |
حضنت أشرف وأحب خلق الله |
عسى جواري وصحبتي في جنة الله |
مع حبيب الله وأصحاب وأحباب حبيب الله |
فيارب البيت المعمور، بكة المكرمة أوحشتنا |
وضاقت بنا الأرض بما رحبت وعلى أنفسنا أشفقنا |
كما أسكنت حب مكة وطيبة في قلوبنا |
أسكنا جنتك مع المصطفى محمد حبيبنا |
20/رمضان/1427 دقات القلب تتسارع والأنفاس تتصاعد شوقا وحبا للوصول إلى مكة مهبط أفئدة الأنام ، ها قد أحرمنا من بيار علي وتجردنا من لباس الدنيا ولبسنا ثوب الحب والخشية من الله والذل له وكأننا رمينا عن كاهلنا أي حمل ثقيل ...فأنت محرم..وهذه بداية التأهيل الرباني والتربية العلوية ، ثم سلكنا درب طريقنا لمكة ، درب الهجرة .. صحراء شاسعة وأرض وعرة وظلام دامس ، نعم هكذا قطعها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم مع صاحبه ماشيا على قدماه مسافة 500 مائة كيلو متر، وما العجب في ذلك!! وهو المؤيد من الله (وإنك بأعيننا) ، سرنا راكبين وملبين : جئناك يارب نلبي دعوتك لنا ، جئناك بثوب الذل والخشية والتجرد من الدنيا ، جئناك يا رب موحدين منيبين متبتلين منكسرين ، لبيك اللهم لبيك لبيك لاشريك لك لبيك.
ودخلنا حدود منطقة الحرم التي تبدأ من مسجد عائشة في التنعيم يوم جمعة ، وهاهي من بعيد تلوح مآذن الحرم المكي ، فأنت تراها من هذا البعد ، كيف لا ولابناء يعلو فوق المآذن ولاصوت يعلو فوق صوت كلمة الحق.
دخلنا المسجد الحرام والخطوة تسبق الخطوة ، يا الله على عباد الله ، كأن الأرض كلها مجتمعة هنا!! ماهذه الجموع الغفيرة والحشود الكبيرة من الخلق !! ماشاء الله كلها أتت على أمر جامع، كلمة "لاإله إلا الله محمد رسول الله" ، لو أن الأمة كلها تجتمع تحت هذا اللواء لكان حالنا أفضل...
في البداية ساورني شعور بصعوبة الخوض في الزحام ودخول المسجد ، ولكن كان الفتّاح يفتح لنا السبيل للجميع ولا يرد أحد ، وتسمع أصوات الذاكرين والملبين والموحدين والمتضرعين تعج بالمكان، وتتصاعد إلى السماء، وها نحن نقترب من الصحن المطل على الكعبة ونحن مطرقين رؤوسنا وأنظارنا للأرض ، نتلمس المكان الذي تظهر فيه الكعبة المشرفة بأكملها.
الله أكبر..اللهم زد هذا البيت تشريفا وتكريما وتعظيما..لا كلمات تصف الحالة أو المشهد ومحظوظ من يسعفه الدعاء في تلك اللحظة المستجابة ، فأنت غائب بكليتك عن المكان، ذاهلا بأنوار الكعبة ، ولكن يكفي أن يكشف الله عن أحد الحاضرين ليذكر الباقين بمتابعة المسير إلى الركن اليماني –ركن الحجر الأسود- وبداية الطواف.
انضم لقافلة السائرين على درب الله والمتوجهين بقلوبهم وعبراتهم للملك المقتدر الذي قاد خطاهم وقلوبهم من كل فج عميق، هذا يبكي وذاك يجأر بدعائه وآخر يكتفي بذكر الله يفيض قلبه منها ، وآخرون متعلقون بأستارالكعبة وآخرون يصلون في حجر اسماعيل ، وما هذا؟! عاجز يطوف على عكازين..يقول: يارب... يارب ، وذاك الكهل هناك يطوف مع ابنه وذاك الصغير قادته فطرته لحضرة العلاّم الجليل...صرنا بمحاذاة "الملتزم" ..هنا وقف الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وألصق خده وصدره بين باب الكعبة والحجر الأسود وكان يبكي قائلا: نعم يا عمر ها هنا تسكب العبرات..ما الذي كان يبكيك يا حبيبي..أحبا في الله أم شوقا له أم تعظيما وإجلالاً..
آه ههنا تسكب العبرات...ياكريم..ياكريم...أردد وأتذكر ذاك الأعرابي الذي كان يطوف بالبيت وكان الرسول يطوف خلفه ويردد خلفه.
وننهي الطواف إلى السعي..فعلان متلازمان ذو مغزى..طواف وسعي وكأن الطواف كناية عن عبادتك وطاعتك في حياتك والتقرب من الله تعالى ، والسعي كناية عن سعيك في حياتك واجتهادك في الدنيا لتبلغ آخرتك ، وكأن لسان هذه النسك يقول: اجعل قمة أولوياتك في حياتك الطاعة والتقرب من ربك ولاتزهد في دنياك واقرن طاعتك مع السعي فيها على شؤون حياتك وتذكر سعي السيدة هاجر، تلك المرأة المتوكلة على الله حيث تركها سيدنا إبراهيم ممتثلا لأمر الله فتقول:أين تتركنا !! في وسط الصحراء ..حيث لاماء ولازرع ولا بشر ..فلا يجيب ، فتردف قائلة: أالله أمرك بذلك.. أالله أمرك بذلك ...إذا لن يضيمنا الله ، فتذهب ساعية بين أعلى جبلين الصفا لتبلغ القمة فترى إن كان هناك ماء أو عابري سبيل تطلب الماء والطعام منهم ، ثم تروح إلى المروة الجهة المقابلة للصفا تطلب الناحية الثانية وتجد في السعي ذهابا وإيابا 7 مرات ...ما الغاية يارب من هذه النسك؟ إمرأة تسعى على قدميها مسافة 5كم لتجلب الماء لطفلها ، ربما سعيها بحد ذاته لم يجلب لها الماء وإنما توكلها على الله هو الذي أنقذهما بضربة جناح ملك عند قدم سيدنا إسماعيل التي خرج منها عين زم زم ، لتظل هذه الماء خير ماء الأرض شاهدة ليوم القيامة على صدق توكل إمرأة على الله في قمة أزمتها ووحدتها في الصحراء...يالله ما أطيب هذه الماء وما أعذبها وأطعمها..طعام ُطعم وشفاء سقم ، لم يبق دعاء إلا ذكر ، محطات طواف .. سعي .. شرب ماء زم زم ثم التحلل والخروج من الحالة فأنت في حال مع الله يلزمك الخروج منه والتحلل وانتهاء الأمرإما بتقصير أو حلق ونذكر أن هناك ثلاث رحمات للمحلقين والمقصرين يدخلون في الرحمة، نعم فهناك ثمن وتضحية للحصول على الرحمات كيفا لا ، بل أقول هو مظهر من مظاهر العبودية ولاتكاد تنفك ترى أغلب المعتمرين حالقي الرؤوس حتى تخش المقصر أن يكون غريبا عنهم.
يتبع...
إقرأ أيضا: - الجزء الثاني من الخواطر(حضن مكة) - الجزء الثالث من الخواطر(عروسان في الحرمين) - الجزء الرابع من الخواطر(يغيب الألم مع الحب) - الجزء الخامس من الخواطر(القبلة والصف الأول) - الجزء السادس من الخواطر(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) - الجزء السابع من الخواطر(ياشهر رمضان ترفق) - الجزء الثامن من الخواطر(صلاة العيد) - الجزء التاسع من الخواطر(وداع الحضن) - الجزء العاشر من الخواطر(خواطر من الحرم النبوي الشريف) - الجزء الأخير(نفحات من الجنة)
التعليقات:
12 |
|
|
مرات
القراءة:
4581 |
|
|
تاريخ
النشر: 14/09/2008 |
|
|
|
|
|
|