لا يا دمعتي: لا تستحقين الخروج!!!
بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم
نعم، لقد اشتقت للكتابة، اشتقت للتعبير عن ألمي، لكنه كان يرفض الخروج بشكل كلمات، سمعته يتأوه أن خروجه على شكل كلمات يعني أنه سيبقى على شكل كلمات، وأنه لن يتحول إلى أفعال، وهذه الفكرة تجعله يموت، لكنني لم أعد أحتمل السكوت أكثر، لم أعد أحتمل الصمت..
" ولماذا لا تحتملين الصمت؟؟ إنك من جملة الصامتين؟؟ "وإن يكن ؟؟ لم أعد أحتمل الصمت !! أريد أن أتكلم .." لكن كلامك ليس إلا تخفيفاً عن نفسك أنت !! لا يعني أي شيء " لا .. لا .. لاااااااااااااااااااااااااا ......
وماذا يعني ؟؟؟
أريد الكلام ....
فهل هناك من يسمعني ؟؟؟
إنها مجرد ومضات آلمتني .. كسرتني .... حطمتني ....
إنه يوم الخميس الواقع في العشرين من شهر تشرين الثاني من عام 2008م، جلستُ في هذا اليوم أمام شاشة التلفاز وأنا أشعر بالحزن لما قرأته اليوم على صفحات الانترنت من أخبار، جلست أشاهد التلفاز لأرى تفاصيل ما قرأت بالصوت والصورة ..
اليوم صباحاً قرأت ما أحزنني بشدة، " غزة تعلن توقف أفرانها عن صناعة الخبز بسبب عدم وجود الدقيق " ... غزة بلا خبز ..
نعم .. غزة بلا خبز، لا تظنوا أنها بلد مهجورة، لا لا .. إنها بلد مأهولة، إنها مدينة في فلسطين المحتلة مأهولة بالسكان، وأعرف أناساً فلسطينيين في سورية سيعودون إليها، فيها الكثير من الرجال والنساء، والأطفال .. نعم .. الأطفال .. فيها الكثير من الأطفال الذين لا يجدون قطعة خبز تسد جوعهم، ستتوقف الأفران اليوم، ولن يعود لديهم أي قطعة خبز ولا حتى يابسة!!
لا أدري لماذا أسمع أصداء المترفين في أوربا يرددون ما قالته ماري أنطوانيت عندما تظاهر فقراء فرنسا أمام قصرها فسألت الخدم عندها: "ما بهم؟ لماذا هم غاضبون؟" فأجابوها: "إنهم لا يجدون الخبز ليأكلوه!!" فقالت لهم: "فليأكلوا الكاتو إذاً" ...
نعم .... فليأكلوا الكاتو .. لكنهم لا يملكون الكاتو .... ليس لديهم كاتو .. ليس لديهم الطحين لصنع الكاتو .. ليس لديهم إلا الأمل بالحصول على كسرة خبز .. والأم تبكي طفلها الجائع، والطفل يبكي الجوع، والأب يبكي اللقمة التي عاش حياته ليحصل عليها من أجل أطفاله، لكنها صارت عليه محرمة..
ونحن ننظر إليهم بصمت، ربما لأننا اعتدنا الصمت، أو لأننا فقدنا أصواتنا التي هجرتنا لمللها من عدم خروجها، واليوم بعد أن وصلت شدة الألم فينا إلى شكل لم نعد نستطيع احتماله حاولنا أن نخرج أصواتنا، فما وجدناها، ما وجدناها، لقد ذهبت، لقد مضت، وبات الصمت خليلنا الأبدي...
فاستعضنا عنها بالكتابة، تجد على شاشات التلفاز: " لا للحصار، نعم للإغاثة !! "
تقرؤها على الشاشات وعلى صفحات الانترنت ...
ولكن هل تسمعها؟؟ هل تحس بوجودها على أرض الواقع؟؟.. بالطبع لا ..
لأنها فقدت صوتها..
بدأت بحثي عن هذا الخبر على شاشات القنوات الفضائية العربية وقبل أن أصل إلى قنوات الأخبار توقفت للحظات على إحدى القنوات التي رأيت عليها (راقصة).. وترقص!!.. نعم.. (راقصة).. ترقص الرقص العربي الشرقي (الأصيل!!!!!!!!!!).. غيرت القناة مباشرة.. كيف يعقل هذا؟؟ كيف يضعون راقصة على شاشة عربية والساعة لازالت لم تجاوز الثامنة مساء؟؟.. عدت إلى القناة نفسها، فصُدمت بالحقيقة المرة.. إنه برنامج لصناعة الراقصات.. نعم.. كبرامج صناعة المطربين والنجوم .. كبرامج (ستار أكاديمي) و(سوبر ستار).. برنامج خاص لانتخاب أفضل راقصة ترقص الرقص الشرقي.. (رااااااااقصة).. !!!!!!!!!!!
آلاف إشارات الاستفهام والتعجب شعرت بها تخرج من فوق رأسي وتحلق حوله.. أحسست بأن رأسي يكاد ينفجر.. برنامج للرقص؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
أفقت بعد دقائق على صوت والدتي تناديني ..
تذكرت صوتي الذي حاول أن يخرج بصرخة.. لكنه لم يخرج.. تذكرت أنه ضاع!! حاولت البحث عنه فلم أجده.. استسلمت للأمر الواقع وأحسست بالدمعة تقف خلف مقلتي تريد الخروج، قلت لها: " لا تستحقين الخروج، ابقي في الداخل!!"
يا إلهي، صدمة هذا الأمر أنستني ما كنت أبحث عنه .. غــــزة ...
عُدت إلى رحلتي المكوكية وأنا أنوي الشرَّ لهذه القناة، قررت أن أنسفها نسفاً من جهاز المستقبل الفضائي عندنا، قررت أن أحذفها.. نعم.. ستُحذف..
لم أعد أريد أن أتنقل بين القنوات كي لا أصدم صدمة أكبر.. انتقلت مباشرة إلى القنوات الإخبارية.. بدأت بأولها.. هناك أخبار عن "أوباما" وفريقه الاقتصادي، عن الأزمة الاقتصادية التي أحاطت بالعالم كله، وهناك خبر عن فندق في دبي من أكبر فنادق العالم، لكن حفلة افتتاحه كلفت (عشرين مليون دولار).. ماذا؟؟
عشرون مليون دولاااااااااار صُرفت على حفل افتتاح فندق في دبي ونحن في عز الأزمة المالية الاقتصادية التي طالت البلدان كلها، وأفران غزة تُغلق أفرانها لعدم وجود الدقيق لصناعة الخبز، وأطفال غزة في المشافي يموتون لانقطاع الكهرباء ..
ويقولون: "نحن في أزمة اقتصادية" !!!!!!!!!!!
أين الأزمة الاقتصادية وقد صرفتم 20 مليون دولار على حفل افتتاح، وقد تم دفع ما يقارب 4 ملايين دولار للمغنية الأسترالية (كايلي مينوغ) التي أحيت حفل الافتتاح؟؟
أين الأزمة؟؟؟؟؟ وغزة في عز الأزمة؟؟؟؟
"عن أي أزمة تتحدثين؟؟" !!!!!
هنا السؤال..
أننا نرى في الأزمة الاقتصادية العالمية أزمتنا كلنا..
أما أزمة غزة، فهل نراها؟؟
نعم، إننا نراها، كأزمة، لكنها خاصة بأهل غزة، والحصار المفروض على غزة، لا نستطيع كسره خوفاً من غضب ساداتنا؟؟ ومعابر رفح من المحال أن تفتح لأننا لا نشعر بأزمة غزة،
وأفران غزة تُغلق ولم نشعر بالأزمة بعد، إننا لا نراها أزمة عالمية، إنسانية، أو على الأقل أزمة عربية، مع أن بعض الناشطين في حقوق الإنسان حاولوا كسر حصار غزة من البحر، لكن محاولتهم لم تكن أكثر من مساعدة بسيطة، انتهى مفعولها للأسف!!!
وأخيراً.. وصلتُ إلى أخبار غزة.. لكنني هنا كنت قد استنفذت كل طاقتي على الصبر، فلم أستطع أن أشاهد الصور كلها، شعرت بأن رأسي يكاد ينفجر..
أطفأت التلفاز....... ومضيت مع دمعتي التي منعتها من الخروج، شعرت بها تحاول خنقي..
واليوم.. السبت 22/11/2008م، غزة تطحن حبوب العصافير والحيوانات لتخبز بها عوضاً عن الطحين......
واليوم الاثنين 24/11/2008م، لا زالت الساعة التاسعة صباحاً، لم تُحرر أخبار غزة بعد لتبث على العلن، لا زالت أخبار البارحة، لا زلت أشعر بالدمعة تحرق مقلتي تريد النزول، ولا زلت أبحث عن صوتي ليصرخ أنني مستاءة حتى الموت، ولا زال صوت غريب يتردد في عقلي:
(( وماذا يعني؟؟ موتي!! انفجري!! اكتئبي!! انتحري حتى!! ماذا يعنينا نحن؟؟ المهم أننا مرتاحون، وغزة لا زالت عنا بعيدة!!! ))
ولا يعلمون أننا بدوام صمتنا نسعى بأيدينا إلى وجود "غــزة" في كل بلدٍ من بلداننا!!!
فأين صوتنا؟؟؟؟
الاثنين 24/11/2008م.
التعليقات:
10 |
|
|
مرات
القراءة:
3086 |
|
|
تاريخ
النشر: 25/11/2008 |
|
|
|
|
|
|