عُذرَاً يَا رَسُوْلَ الله!
بقلم : المُحِبَّة لله (دعاء الأصفياء)
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والصّلاة والسّلام على رسوله الكريم
يا رسولَ الله! ففي عهدك.. بذل أصحابك الكرام – رضوان الله عليهم - أقصى جهودهم لجمع آيات القرآن الكريم، وضمِّها في كتابٍ واحد، وكلّ همّهم حفظه، وتسهيل وصوله إلى أطراف العالم - زماناً ومكاناً - إلى أن وصلنا جاهزاً؛ لنغترف منه تعاليم ديننا الحنيف*** واليوم.. انتشرت حقّاً كتبٌ كثيرة، وجُمِع الكثير من المعلومات، والكثير منها يهدف لتوعية النّاس، وإرشاد المسلمين لطريق الصّواب، وفعلاً حَوَتْ تلك الكتب فوائدَ جَمّة، ولكنْ مع ذلك؛ فقد هجرَ كثير من المسلمين هذا النّوع من الكتب، والْتفتوا إلى أنواع أخرى، أتدري ما هي يا رسولَ الله؟ إنّ شبابَنا وفتياتِنا اليوم؛ يتهافتون على كتب مخصّصة للرّسائل القصيرة؛ الّتي تُستخدَم في الهواتف النقّالة، ويتسابقون لشراء كتب تحوي آخِرَ الطّرائف المضحكة، فكلّ ُعام من الأعوام تلزمه نكت خاصّة به، فهناك كتب تحت عنوان " نكت 2005"، و" نكت 2006 "، و" نكت 2007 "....، وليتها مجرّد وريقات جمعت في ثناياها بعض الطّرائف والرّسائل، لا!! إنّها كتب بكلّ معنى الكلمة!. أصحابكَ يا سيّدي جمعوا آيات الذكر الحكيم، ونحن صرفنا جهودنا في جمع النّكت، ورسائل الجوّالات، وغير ذلك من الأمور المُضيِّعة للأوقات.
*****
عُذراً يا رسولَ الله! ففي عهدك.. تنساب مسرعةً أشعّة الشّمس الذهبيّة؛ لتشارك نسائمَ الصّباح شرف التّطيُّب بعطر فوّاح، ينبعث من الآيات الكريمة، الّتي تستهلّون صباحكم بتلاوتها، هكذا دأبكم كان*** واليوم.. تشرق الشّمس، لكن بوجه مكفهرّ حزين؛ ألماً على تغيّر هذا الدّأب العظيم، وتتكدّر نسمة الصّباح؛ كلّما لطمتْ وجهَها نغماتٌ خدّاعة من أغاني فيروز، طرِبت لها الآذان، فاتّخذتها قرآناً وجدت فيه العذوبة والبيان.
*****
عُذراً يا رسولَ الله! ففي عهدك.. يبكي صحابتك ستّة أشهر؛ حزناً على رحيل رمضان، ويعيشون ستّة أخرى متلهّفين، داعين الله بتبليغهم رمضان القادم*** واليوم.. نكاد نبكي مثلما بكوا، ولكن لا لما أبكاهم، بل إنّ بكاءنا على مدى ستّة أشهر يكون كلّما ذكرنا اقتراب موعد رمضان، خوفاً من مشقّة الصّيام. ونفرح ستّة أشهر؛ لأنّنا حصلنا على حرّيتنا في تناول الطّعام متى شئنا، واستعدْنا راحتنا بمضيّ أيّامه المتعبة.
*****
عُذراً يا رسولَ الله! ففي عهدك.. ترك أصحابك الكرام تسعة أعشار الحلال مخافة الرّبا*** واليوم.. لم نعد ندرك معنى كلمة حرام، ولم نعد نفرّق بين الحلال والحرام، وحين نأكل الرّبا؛ نخترع ألف سبب وسبب؛ لنبرهن أنّنا لم نأكل حراماً، وفي أحسن الأحوال نقول: أنا لا ذنْبَ عليّ، وإن كان هناك إثم؛ فهو في ذمّة الشّيخ الّذي أفتى لي. يؤسفني يا جدّي أن أقول لك: أصبح شِعارُنا الاقتصاديّ: " كُلِ الرِّبا ولا تُبال ِ".
*****
عُذراً يا رسولَ الله! فعندما طلب مسيلمة الكذاب من أحدهم الإيمان به نبيّاً، أبى ورفض، وقال كلمة واحدة: "لا أسمع"، لم يكترث أصلاً بوجود شخص يتحدّث معه؛ ليعترف به نبيّاً*** واليوم.. يخجل أحدنا أمام النّاس من كونه مسلماً ، بل يكاد يقول: أنا لست مسلماً، وكأنّ انتسابه لهذا الدّين العظيم يسبّب له الذلّ والهوان. هذه هي حالنا يا رسول الله!
*****
عُذراً يا رسولَ الله! فقد قاد صاحبك الصّغير أسامة جيشاً؛ وهو لم يتجاوز الثّامنة عشرة من عمره، هكذا كانت تربيّته*** وأسامة اليوم.. يصل للثّلالثين؛ وهو ما زال خائفاً من ظلّه، هكذا صارت تربيّته.
*****
عُذراً يا رسولَ الله! فقد كانت بَضعتك الشّريفة فاطمة الزّهراء مثالاً للمرأة الصّالحة، ملأت حياتها طاعة لله، وعملاً صالحاً، فأنتجت خير أطفال، ليكونوا خير أجيال*** وفاطمة اليوم.. انشغلت بتوافه الأمور، فلم تعد تجد وقتاً لتلقّي العلم؛ والقيام بعمل صالح، فزينتها أخذت وقتها، ولم تترك لها مجالاً لذلك. وكذلك لم تفـُتـْها أغنية واحدة من أغاني المطرب المفضّل برأيها، فأنتجت أطفالاً؛ ليكون همّهم أن يصبحوا كهذا الممثّل أو ذاك، ويبدؤوا بتحقيق هذا الأمل بتقليده في حركاته وسَكَناته منذ الصّغر.
*****
عُذراً يا رسولَ الله! ففي عهدك.. كان التّكريم بالِغاً للّغة العربيّة، لغة القرآن، وقلّما يلْحَنُ أحدٌ في كلامه، وإن حدث ذلك؛ يُصَوَّب غلطه على الفور، بل إنّ الفاروق رضي الله عنه، كان يضرب بالدّرّة من أهمل الحديث باللّغة العربيّة الفصيحة*** واليوم.. نسينا أنّنا عرب، ونسينا أنّ لغة القرآن هي لغتنا، وأصبحنا نتباهى ونتفاخر عندما تنطق ألسنتنا بلغة أجنبيّة. لم نعد نكترث بتعلّم لغتنا، وإن تكلّم أحدنا مرّة بلغة فصيحة؛ يشبع الآخر سخرية منه، بل يكاد يمسك درّة عمر، ويضربه بها.
*****
عُذراً يا رسولَ الله! ففي عهدك.. كان حثـُك وتشجيعُك كبيرين على ممارسة الرّّياضة، لما لها من فائدة، وللاستعانة بها على طاعة الله*** واليوم.. هناك من يمارسها، لكن ليس لهذه الغاية، بل للحصول على شُهرةٍ أو مال، وقد سَلبتْ منه وقته، وكأنّها من أولويّات حياته. لقد كانت مُعِيناً، فأصبحت ديناً.
*****
عُذراً يا رسولَ الله! فقد تبعك صلاح الدّين، وسار على نهجك حين قال: سأنوب عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لنصرة أمّته، وأيضاً قال: أستحي أن أضحك، والمسجد الأقصى بيد المعتدين. ثمّ جاهد حتّى حرّر الأقصى، وحرّر الأرض المحتلّة، وبعدها قال: لن يرجعوا إليها ما دمنا رجالاً*** واليوم.. نفتقد صلاحاً يا رسول الله، ضحكاتنا ملءُ أفواهنا، وفلسطين جريحة، أمعاؤنا تعبت من هضم الطّعام، وغزّة لا تجد ما تأكل، ولسان حالنا يقول: وماذا بوسعي أن أفعل لهم؟ هل تريدونني أن أقطع عن نفسي الطّعام، وأعطّل حياتي، وأمتهن البكاء؟! لقد عادوا يا رسول الله، لكنّ صلاحاً لم يعد، عادوا يا نبيّ الله، وبدل أن نخرجهم منها صاغرين؛ ها نحن نعينهم على تضييق الخناق على أهلنا في فلسطين!
*****
عُذراً يا رسولَ الله! ففي عهدك.. كان إذا اعتدى سفيهٌ على الإسلام بكلمة واحدة؛ يلقى جزاءه، وينال عقابه، وإنّ وفاءَ أصحابك لك وللدّين؛ لم نعلم مثله وفاءً، فقد بلَغَنا موقف سعد بن الرّبيع ساعة وفاته في معركة أحُد، وبلغنا قولُه لصاحبك الّذي ذهب ليطمئنّ على حياته بأمرٍ منك، وقد كان يستقبل الموت حين قال: " أبلِغ قومكَ السّلام، وقل لهم: إنّ سعد بن الرّبيع يقول لكم: لا عذر لكم ثمَّ الله؛ إن خُلِص إلى نبيِّكم وفيكم عينٌ تَطْرُف"*** واليوم.. يحاول السّفهاء تشويه صورتك النّضِرة، وبشتّى الوسائل، ويحاولون تدنيس القرآن الكريم، ويسعون لتحريفه، ونحن نضحك ونلعب، وكأنّ شيئاً لا يعنينا، وإذا سُئِل أحدنا يقول: لا حول ولا قوّة إلا بالله! ماذا أفعل لهم؟ ما باليد حيلة. وهل لدينا غير ذلك حتّى نقول؟ كيف سنحبّك ونحن لا نعرفك؟ كيف سندافع عنك، وأنفسنا منشغلة بالمسلسلات، والمباريات، ونسينا أنّ لنا نبيّاً علينا أن نعرِفـَه، ونحبَّه، ونتّبع سنّته، وندافع عنه بكَمِّ أفواه من يجترئ على رسم صورة غير لائقة بمقامه الشّريف. نسينا أنّ لنا ديناً علينا المحافظة عليه، والمجاهدة من أجل نصرته.
*****
عُذراً يا رسولَ الله! فقد حملتَ همّ أمّتك، وحرَصتَ عليها، وعلى نجاتها، واستغفرت لكلّ مذنب، وشغلت نفسك بالدّعاء لها. حتّى في الأضحية يا رسول الله لم تنسَ أمّتك، فكنت عندما تنحر أضحيتك تقول: " اللّهمّ تقبّل من محمّد وآل محمّد وأمّة محمّد ". ولم تقصُر هذا الحنان وهذه الرّحمة على حياتك فقط، بل استمرّ ذلك إلى يوم الدّين لتشفعَ لأمّتك، وتقفَ لها على الصّراط، وتمسكَ بأيدي أفرادها، وما نسيت أصحاب الكبائر، فلمّا سمعت نداءهم لك وهم يلقون جزاء أعمالهم وسط اللّهيب؛ تركت ما أنت فيه من هناءة، وخرجت تتضرّع لله، ليُخرجهم من النّار*** والكثير من أفراد أمّتك اليوم.. لا يجد وقتاً ليقرأ سنّتك، ويعرفَ من هو ذلك الرّجل العظيم؛ الّذي حرص على سلامته وسعادته. لقد دعا كلّ نبيّ لنفسه بدعوة، فأجابه الله، إلا أنت يا حبيبي، فلم تدعُ لنفسك، بل جعلتها لأمّتك، لتكون شفيعاً لها يوم القيامة، حتّى في هذه آثرتَ أمّتك؟!! لقد جعلت من اهتمامك حظّاً بالغاً لأمّتك وما نسيتها، وأمنّتك اليوم لا تعرفك! فآآآهٍ على ما فعلَتـْه أمّتك! آآآهٍ على ما فرّطت به أمّتك! آآآهٍ على ما آلت إليه حال أمّتك! لا أدري ماذا أقول! أأقول: ليتك اخترت البقاء حين خيَّرك الله؛ لتقَرَّ أعيننا برؤيتك، وتطمئنَّ قلوبنا بوجودك بيننا؟ أم أقول: الحمد لله أنّك اخترت الرّفيق الأعلى، ولم تشهدْ ما أحدَثتـْه بعدك أمّتك؟!
*****
عُذراً يا رسولَ الله! عذراً لأنّنا فرّطنا في دِيننا! عذراً لأنّنا لم نعرف قيمة الإسلام! عذراً لأنّنا لم نسعَ لإعلاء رايته، عذراً لأنّنا لم نكن كما ينبغي أن تكون عليه أمّتك!!!
*****
لقد قصّرنا كثيراً يا رسول الله! لكنّي آمل أن نصحو، وأن ننهض من غفلتنا، وبإذن الله؛ سنعمل على أن تعود أمّتك كما كانت، خيرَ أمّة أخرِجت للنّاس، تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتؤمن بالله؛ حتّى يرضى الله عنّا، وترضى يا رسول الله، وتباهي بنا الأمم يوم القيامة.
*****
*فأرْجُوكَ سامِحْنِيْ.. وَسَامِحْ أمَّتَك*
حفيدتك
المحِبَّة لله ولِنصرتِك
التعليقات:
1 |
|
|
مرات
القراءة:
3009 |
|
|
تاريخ
النشر: 19/12/2008 |
|
|
|
|
|
|