::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> مقالات المشرف

 

 

التقريب بين المذاهب.... الإشكالية والمنهج

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

الحوار هو اللغة وكلمة «السواء» هي الغاية.

 

نقطة الالتقاء في التوجه الاسلامي لا المذهبي.

 

الابتعاد عن الدوائر الضيقة والقوالب المعلبة من مقدمات النجاح.

 

تعيش الامة الاسلامية في الشرق والغرب حالة من التناقض والتضاد في آن واحد. الحالة الاولى: الاعتزاز والشموخ بمقومات الدين الاسلامي الكامل والحق الذي يملأ القلوب ويعمرها بالايمان واليقين. والحالة الثانية: التمزق والتفرق بسبب النـزاعات والخلافات والتحديات التي تعصف بالأمة، وتهب رياحها العاتية قادمة من الشرق والغرب، وتزداد تأججا في الداخل حين تواجه

 الجهل والتخلف، وتصطدم بالذهنية المغلقة الموصدة الرافضة لكل تجديد يصب في مصلحة وحدة الامة وتجمعها والتقائها. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في اتون هذا التناقض: كيف يمكن لهذه الامة ان تحافظ على حرارة ايمانها وإذكاء جذوته في النفوس؟ كيف يمكن لها التغلب على ظاهرة التشرذم والشلليّة التي تعاني منها؟ وكيف لها ان تقف امام التحديات الكثيرة الفكرية والأيديولوجية التي تكاد تطفئ تلك الحرارة، وتذهب برياحها نحو المحيطات؟

 

 

الأمة بين الحوار وقمع الآراء

 

لقد اصبح من البديهيات ان حل المشكلات القائمة في جسد هذه الامة عن طريق قمع الآراء، وان معالجتها بطرق العنف يعد اجهاضا لأي مشروع اسلامي يهدف ايجاد نقطة ارتكاز تلتقي عندها جميع التيارات والمذاهب الاسلامية.

ولابد ان تصغي الأمة الى صوت الحق، وان تعيد الى ساحتها الاسلوب القديم الجديد المتمثل في الحوار والتفاعل مع الرأي الآخر، إذ الحوار هو لغة العصر السائدة في هذا القرن، وعلى أساسه اخترقت المانيا سور برلين، وبه توحدت الكوريتان، ومنه انطلقت السوق الأوروبية المشتركة.

فلم يعد مقبولا منطقيا ان تلقي الأمة بأسباب اخفاقها وتراجعها وتفرقها على عدوها الخارجي، ، وانما يجب ان تصحو الأمة من سباتها وغفوتها حينما تقرأ في كتاب الله العزيز قوله: (قل هو من عند انفسكم) كما يجب ان تفهم هذا النص فهما عميقا، تضع فيه نقاط الاختلاف على حروف الالتقاء، وان تعيد من جديد قراءة قوله تعالى: «ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم».

 

 

الدعوة الى الكلمة السواء

 

اذن، فالمشكلة بجوهرها تكمن في الامة ذاتها، وهي وحدها تعرف اسباب الفرقة والشتات، كما انها هي نفسها ايضا القادرة على ايجاد الحلول الناجعة، التي تستأصل جذور الافتراق، وتؤسس لقواعد الالتقاء، ولعل ابرز هذه القواعد العودة الى المنهج القرآني الذي يدعو جميع الفرق الاسلامية والتيارات المذهبية على تنوع اتجاهاتها الفكرية الايديولوجية الى الالتقاء والانطلاق من نقطة واحدة (تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم).فهذا النص القرآني في اصل وضعه دعوة لأهل الكتاب الى كلمة السواء التي تجمع ولا تفرق ، وتنبذ الشرك، وان لا يتخذ الناس بعضهم اربابا من دون الله. وبمراجعة لهذا النص ودعوته الى الحوار بين الديانات السماوية المختلفة في جوهر عقيدتها وتفاصيل النبوة ونحو ذلك نجد ان حجم الخلاف كبير، وان مساحة اللقاء محدودة جدا، ومع هذا كله فقد اراد الله لهذه الأمم السير على منهج موحد، وذلك بالانطلاق من قواعد الاتفاق المجمع عليها من الاساسيات والكليات على اسس من كلمة (السواء) اما الفروع والجزئيات فتخضع للحجة الاقوى المقترنة بمقدار كبير من المرونة المؤدية الى اللقاء المثمر.

 

وامام هذه الفجوات، نجد ان التقارب بين المذاهب والفرق الاسلامية، والحوار بينها على قاعدة «الكلمة السواء» اكثر سهولة ومرونة، لأن الاساس والجوهر لا خلاف عليه بين جميع التيارات الفكرية والاسلامية، وانما الاختلاف في الفروع، ولأن تلتقي الجهود لتحقيق مشروع نهضة الأمة من سباتها مع خلاف يسير في الرأي والاجتهاد المستند الى الأدلة والبراهين، خير من ان نتصارع فيما بيننا، وتتخذ كل فئة مناهج ومسالك خاصة بها، بمعزل عن بقية اطراف جسدها الواحد.

 

إشكالية المذهبية الفكرية

 

نشأت المذهبية الفكرية في الاسلام من التعدد والتنوع في فهم النصوص الاسلامية وقراءتها وتأويلها وتفسيرها وفق معطيات كل مذهب فكري، واجهتها اقطابه وخاصة فيما يتعلق بالمتغيرات الطارئة على المجتمع بشكل عام، مما لم يرد فيه نص ولا اجماع سابق.

 

لقد ساعدنا هذا الواقع على خلق نوع من الاختلاف الفكري الاجتهادي بين المذاهب الاسلامية، وكان بالإمكان ان يكون هذا التنوع المذهبي في مسألة فكرية او فقهية او عقدية مصدر غنى وإثراء لظاهرة الاجتهاد في الاسلام، كما انه يبعث على ايجاد آفاق عليا للحوار.. ولو ان الاجتهاد ظل حكرا على فئة دون فئة، وقام على اساس الرأي الواحد، لظهرت الثغرات الكبرى في نتائج الاجتهاد الاحادي، في حين ان تعدد الآراء مهد لتطوير عملية الاجتهاد، وساهم في دقة الاحكام الفقهية وسلامة النتائج الفكرية، ولعل ابرز مثال على ذلك مجمع البحوث الاسلامية في القاهرة، والمجمع الفقهي العالمي في جدة، ومجمع رابطة العالم الاسلامي، اذ ساهم كل من المجامع الثلاثة في استيعاب مشاكل العالم الاسلامي الاخذة بالتوسيع والاندماج بعالم الغرب والتأثر بثقافته واخلاقه وفكره. وذلك من خلال الغزو الفكري والثقافي والاخلاقي الذي يمارس على هذه الامة مستهدفا وجودها ووحدتها.

 

 

منهج التقارب

 

إن اقصر الطرق الموضوعية لعملية التقريب بين المذاهب ان تكون الغاية اسلامية لا مذهبية محضة، فالمذاهب الاسلامية حين تسعى لتأويل نص من النصوص او ايجاد فتوى في قضية شائكة معاصرة فلا شك انها ستظل في دائرة الخلاف والاختلاف دون اي جدوى من عملية التقريب طالما ان الوجهة مذهبية ضيقة، اما اذا كانت لغة الحوار والاجتهاد اسلامية التوجه، مترفعة عن الدوائر الضيقة والقوالب الفكرية الجاهزة والمعلبة، فلا شك في اننا سنصل الى الغاية المفيدة، اللهم وفقنا لجمع كلمة الامة الاسلامية بأسهل الأسباب.

 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 3912

 تاريخ النشر: 20/10/2007

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1194

: - عدد زوار اليوم

7397511

: - عدد الزوار الكلي
[ 60 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan