::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> كلمة المشرف

 

 

آداب الصيــــام ...

بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان  

 


 
بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللّهم افتح علينا فتوح العارفين، ووفقنا توفيق الصالحين، واشرح صدورنا، ويسّر أمورنا، ونوّر قلوبنا بنور العلم والفهم والمعرفة واليقين، واجعل ما نقوله حجة لنا، ولا تجعله حجة علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.
 
^ عاد رمضان .. وعاد معه الخير:
     
نحن الآن نعيش هذه الأيام المباركة والليالي الفاضلة التي تفضل الله بها علينا إذ أكرمنا بأن بلّغنا شهر رمضان، وهيّأ لنا أسباب الخير، ورتّب لنا على ذلك الأجر العظيم، والثواب الجزيل، فلْنشكر الله - سبحانه وتعالى - على نعمه، ولْنسأله المزيد من فضله وكرمه.
 
ها نحن نشتغل مع الصيام، ومع الانقطاع عن الطعام والشراب، نشتغل بأنفسنا، فنحرص على كفّ أسماعنا، وأبصارنا، وألسنتنا عن المحرمات، نشتغل بأنفسنا فنحرص على تقديم الطاعة لله - سبحانه وتعالى - بأنواعها؛ من تلاوة للقرآن الكريم مع التدبر والتفكر والخشوع، من صلاة للتراويح، وصلاة لقيام الليل، وصلاة في الأسحار، من تسبيحٍ، وتحميدٍ، وتهليلٍ، وتكبيرٍ، واستغفارٍ، وصلاةٍ وسلامٍ على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم... هكذا شأن المسلم في شهر رمضان، يحيي ليله بالطاعة، ويُظمِئ نهاره جوعاً وعطشاً؛ تعبّداً لله سبحانه وتعالى، مع سعيه لتفقّد ذوي الحاجات من الفقراء والمساكين، وتفقد أهل العفة، وتقديم العون لهم ولأصحاب الاحتياجات الخاصة الذين ينتظرون أمثال هذه المواسم والخيرات؛ حتى يتفقدهم الناس، ويُسدوا إليهم من عطاء الله سبحانه وتعالى.
^ لماذا الصيـام؟؟
أيها الإخوة القراء!صيامنا لم يأتِ لامتحان قدرتنا على مجرد الصبر عن الطعام والشراب، فالإنسان يستطيع أن يقاوم ويحتمل الجوع والعطش. ليست الغاية من صيامنا أن يمتحن الله - تعالى - صبرنا عن الطعام والشراب فحسب، إنما جاء الصيام لتهذيب أخلاقنا، وتطهير قلوبنا، وتزكية نفوسنا، وإعدادها، وتهيُّئها للسير على الصراط المستقيم علماً، وعملاً، وسلوكاً، وحالاً، ومقالاً. لقد جاء الصوم إيماناًً لله سبحانه وتعالى، وطاعةً له، وقُربةً نتقرب بها إليه.
جاء الصوم لنروّض أنفسنا على أعمال الخير والبر، ولكي يستعد المسلم في يومه، وحاضره، ومستقبله لكل أعمال الخير ووجوهها. وقد بشرنا سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفّرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر". صحيح مسلم. فطالما أن المسلم يبتعد عن الكبائر فإن الله - سبحانه وتعالى - جعل هذه المواسم - مواسم الخير - لكي يكفّر الذنوب التي يرتكبها هذا الإنسان فيما بين الرمضانين، وفيما بين الجمعتين وفيما بين الصلوات الخمس إذا كانت من الذنوب الصغائر أو اللمم. إذاً الصوم إنما هو ترك لشهوات النفس، وبُعدٌ عن القبائح القولية والفعلية، وما أشد هذا الأمر على النفوس، ولكنه يسيرٌ على من يسّره الله عليه. لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: "الصيام جُنّة، فإذا كان يومُ صومِ أحدِكم فلا يرفثْ، ولا يَصخَبْ، فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقلْ: إني امرؤٌ صائم". متفق عليه. فالصوم وقاية وستار يقي المسلم ما حرّم الله عليه، فلْيتّخذه الإنسان جنة له ليبتعد به عن مخالفة الشرع، والله - سبحانه وتعالى - عندما أنزل آيات الصيام ختمها بقوله: "لعلكم تتقون" حيث قال:[]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[] سورة البقرة (183). فالغاية من الصيام إذاً أن يبلغ المسلم درجة التقوى، والتقوى كما نعلم جميعاً هي ألا يرانا الله حيث نهانا، وأن يجدنا حيث أمرنا، فقد أمرنا الله - تعالى - بأداء الصلوات، والصيام، والحج، والزكاة، والفرائض، والنوافل التي تقرّب العبد إلى الله سبحانه وتعالى... وقد نهانا عن المنكرات، وعقوق الوالدين، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، وعن الموبقات بأنواعها...  فلْيجدْنا الله - تعالى - في المكان الذي أمرنا به، وفي الموضع الذي دعانا إليه، ولنبتعد عما نهانا عنه.
^ وصايا نبوية في يوم الصوم:
إذا كان يوم صوم أحدكم فما الحال التي ينبغي أن يكون عليها؟؟
أ- لا يرفث ولا يصخب:
الرفث يكون بالأقوال، سواء كان هذا الرفث فيما بين الرجل والمرأة مما قد يؤدي إلى الوقوع في الحرام والمحظور، أو فيما بين الناس مع بعضهم. والمعروف أن كثيراً من الناس يلجؤون إلى هذا الرفث في الحياة اليومية، حتى أن حديثهم العادي لا يكاد يخلو من القول الرفث، وهذا يتنافى بالكلية مع الصيام الذي هو تطهير القلب، وتهيئته لتنزّل الرحمات من الله سبحانه وتعالى.
وطالما أن الرفث في القول فهو يشمل كل أنواع الرفث؛ كالسباب، والشتائم، وقبائح الألفاظ، والخوض في أعراض المسلمين، والغيبة، والنميمة، ونحوِ ذلك مما يعد رفثاً في القول، أو استخداماً للسان في غير ما خلقه الله سبحانه وتعالى له. والنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أنه ليس من خلق المسلم السباب، ولا اللِّعان، ولا أن يكون فاحشاً بذيئاً حيث قال: "ليس المؤمن بالطَّعَّان، ولا اللَّعَّان، ولا البذيء، ولا الفاحش". صحيح ابن حبان.
إذاً.. صيام المؤمن إنما هو طهرة للسانه؛ ليعوّده الخير ويهذّب أقواله حتى لا ينطق لسانه إلا بما هو خير له من أمور دينه ودنياه. وقال عليه الصلاة والسلام عن الصائم: "لا يصخب". صحيح البخاري. وهذا معناه أن يتحلى بالأخلاق الكريمة، فلا يصرخ، ولا يعبث في القول، إنما يكون حليماً، عفوّاً، صفوحاً، معرضاً عن الجاهلين، ويكون صومه سبباً في حمله على الحِلم، وسعة الصدر الأخلاق، فالصوم يُكسِب الإنسانَ هذه الأخلاق العظيمة، فلا يكون ممن يُشار إليه بالبنان بأنه من السفهاء، أو الطائشين، أو الخارجين عن الآداب العامة.
ب- إن سابَّه أحدٌُ أو قاتله فليقلْ: إنّي امرؤٌ صائم:
إسلامنا العظيم يدعونا إلى الحِلم في كل أمورنا، والرفق في كل أحوالنا، وهذا ما نقرؤه في القرآن الكريم عندما يقول الله سبحانه وتعالى:[]...ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ[] سورة فصلت (34). إن جاءك إنسان فأساء إليك بالقول وأغلظ عليك في الخطاب فادفعه بكلمة حسنى، ولا تكن ممن يرد الصاع صاعين، إنما ليرَ منك أخلاق الصائم، قل له: إني امرؤ صائم. والصائم لا يليق به أن يتلفظ هذه الألفاظ التي هي من شأن السفهاء والطائشين وأولئك القوم الذين لا يخشون الله تعالى.
هذه المواقف عظيمة، والناس باختلافهم وتنوعهم قد يؤول الأمر بهم أحياناً إلى النزاع والخصام، بل وربما القتال والعياذ بالله تعالى! وقد يقع الإنسان أحياناً في مواقف محرجة، ربما يُساء له ويُغلظ له في القول والخطاب، وربما يُعتدى عليه باليد فيُبطش ويُضرب. فعندما يواجه الإنسان مثل هذه التصرفات الطائشة بالحلم، والرفق، والعفو، والصفح وحسن الأخلاق، ويردّ على هؤلاء الكلمةَ السيئة بكلمة حسنة، فذلك يدل على رجاحة العقل وطمأنينة النفس، وعلى أن هذا الإنسان يتصف بصفات كريمة، ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عندما قال:[]وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً[] سورة الفرقان (63). إن اعتدى عليك إنسان جاهل فأساء إليك وأغلظ لك في القول فقل له: سلاماً، كن له مسامحاً وتذكّر قول الله سبحانه وتعالى:[]وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ[] سورة القصص (55). وتذكّر قول الله سبحانه وتعالى:[]...وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ[] سورة الشورى (37). وتذكّر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإن سابَّه أحدٌ أو قاتله فليقلْ: إني امرؤٌ صائم". صحيح البخاري.
جـ- إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الحرام:
 يجب أن يسيطر صومنا على سمعنا، وأبصارنا، وتفكيرنا وجوارحنا؛ حتى يكون له أثرٌ في نفوسنا وقلوبنا، وينعكس على تقوى الله سبحانه وتعالى، فتتحقق بذلك الغاية من الصيام.
يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا صمتَ فلْيصمْ سمعك وبصرك ولسانك عن الحرام، ودعْ عنك أذى الجار، وليكن عليك سكينةٌ ووقار يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء". هذا كلام ذهبي فعلاً. لاحظوا كيف أرشدنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن نحفظ أسماعنا عن كل ما هو محرّم؛ من غناء، أو موسيقى، أو غيبة، أو نميمة، أو خوض في أعراض الناس، أو بهتان وافتراء، أو ذكر عورات، أو فُحش، أو سبٍّ، أو لعن الناس، أو تحميلهم ما لم يفعلوا وتقويلهم ما لم يقولوا أو أي قول مما يندرج تحت المَنهيّات التي نهانا عنها إسلامنا العظيم.
وكذلك أرشدنا عليه الصلاة والسلام إلى حفظ أبصارنا أن تقع على ما حرّم الله علينا أن نراه، وخاصة من النساء المتبرّجات نسأل الله تعالى لهن الهداية، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر الرجال أن يحفظوا أبصارهم عن النظر إلى المرأة المتبرجة أثناء الصيام، فإننا ندعو المرأة إلى المحافظة على حجابها وعفّتها وكرامتها أثناء الصيام، وخاصة أنها صائمة، والصيام - كفريضة من الفرائض التي فرضها الله تعالى علينا - يتنافى مع ترك فريضة أخرى ألا وهي الحجاب؛ فالله سبحانه وتعالى أنزل آيات كثيرة تحض المرأة وتدعوها إلى ستر جسدها، ورأسها، وشعرها ومواضع الفتنة منها، وأن تعيش حياتها بشكل طبيعي وعادي دون أن تكون سبباً في إثارة مشاعر الرجال، أو تحريك شهواتهم وإفساد عبادتهم عليهم. إذاً فعلى الرجل أن يحفظ بصره من الوقوع على المحرّمات والنظر إلى ما حرم الله عليه من جسد المرأة، وعلى المرأة نفسها أن تحرص على عدم الخروج في شهر رمضان متعطرة ولا متنزينة ولا متبرجة، ولا في غير شهر رمضان. بل ليكن شهر رمضان بداية انطلاق لبناتنا وأخواتنا ونسائنا المؤمنات الصالحات بأن يحرصن على حجابهن، وأن يتّقين الله سبحانه وتعالى في لباسهن أثناء شهر الصوم الذي هو شهر عبادة وعمل وتقرّب إلى الله تعالى.
كذلك أمرنا النبي عليه الصلاة والسلام بحفظ ألسنتنا عن المحارم، والمحارم كثيرة (ذكرناها قبل قليل).
ء- دع عنك أذى الجار:
أيضاً أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نترك أذى الجار، والجار الذي يعيش إلى جانبك أمر مفروغ منه. يقول عليه الصلاة والسلام: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلْيُكرمْ جاره".متفق عليه. ويقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره". صحيح البخاري. ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيُوَرِّثُه" متفق عليه.
قضية احترام الجار وترك أذاه من المسلمات، لكن الملفت في هذا الحديث هو ألا نؤذي جارنا في المسجد برائحة الثوب أو العرق أو الثوم والبصل التي يكون قد تناولها ثم يؤذي برائحتها جاره في المسجد أثناء صلاة التراويح. يقول صلى الله عليه وسلم: "ودع عنك أذى الجار". سواء كان هذا الجار في المسجد أو البيت أو العمل أو أي مكان آخر. احرص ألا تؤذيَه حالَ الصيام؛ فإن ذلك يسري عليك فيما بعد الصيام.
هـ- ليكن عليك سكينةٌ ووقار:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليكنْ عليك سكينة ووقار يومَ صومك". لاحظوا دقة هذا الكلام، ولنقرأْ ما بين السطور مما يشير إليه النبي صلى الله عليه وسلم، السكينة والوقار هما من أحسن الصفات عند الإنسان؛ فالإنسان الذي يبدو للناس وقوراً هو إنسان سكنت نفسه واطمأنت بالله سبحانه وتعالى أولاً، ثم بما أكرمه الله وتعالى من خصال وصفات وسجايا حميدة وكريمة. ولا ينبغي للمسلم أن يكون طائشاً ولا سفيهاً ولا صخّاباً. وقد جاء في صفات النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن صخّاباً في الأسواق، ولم يكن فاحشاً ولا بذيئاً في اللسان، إنما كان هيّناً ليناً، يدخل كلامه إلى القلوب فيستقر في سويدائها لدقة كلامه وحسنه وحسن معاملته للناس، وهذا ما يدعونا إليه عليه الصلاة والسلام: "ليكنْ عليك سكينة ووقار يومَ صومك". فتبدو عليك آثار العبادة وآثار القرآن الكريم، وكل أثر لخُلق فاضل حملته وأنت صائم.
و- لا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء:
يختم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الوصية بقوله: "ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء". هذا كلام رائع وجليل، وموعظة حسنة. فعلى الصائم أن يتحلى بالأخلاق والآداب الكريمة التي نُقِلت عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ربما يتجلوز الإنسان هذه الآداب في الأيام العادية، وربما يتركها أو ينساها، فيأتي الصيام ليذكّره بها، فيتحلى المسلم بهذه الأخلاق ويحرص عليها، ثم تكون له بعد الصيام خلقاً اعتاده وألفه.
لقد أراد لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون آثار الصيام ظاهرة في أقوالنا وأحوالنا، في سلوكنا ومعاملاتنا؛ لأن سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم عندما كانوا يتمنون أن تكون السنة كلها رمضان، إنما ليتذوقوا هذه المعاني، وليتحلوا بهذه الصفات، ويكتسبوا من هذه الفوائد العظيمة التي أعدّها الله سبحانه وتعالى للصائمين في شهر رمضان. أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطهّر صيامنا ويزكّيه، وينفعنا به عندما نتحلى بالأخلاق الكريمة التي نقلت عنه عليه الصلاة والسلام.
ولعل من أبرز ما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحثّنا على حفظ صيامنا من أي شيء يُفقده جوهرَه ومعناه قوله عليه الصلاة والسلام: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". صحيح البخاري. فكثير من الصائمين يصومون وليس لهم من صيامهم إلا الجوع والعطش، وكثير من القائمين يقومون وليس لهم من قيامهم إلا السهر والتعب؛ لأنهم لم يخلصوا عملهم لله سبحانه وتعالى.
فلنتّقِ الله في صيامنا، ولنراعِ آداب الصيام؛ لنكون من الصائمين حقيقة ظاهراً وباطناً، ولنسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا صيامنا، وأن يرفع درجاتنا، وأن يحقق لنا ما وعدنا على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم حيث قال: "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمئة ضعف". صحيح ابن خزيمة. ويقول الله عز وجل: (("إلا الصيام، فهو لي وأنا أجزي به، يدع الطعام من أجلي، ويدع الشراب من أجلي")). صحيح ابن خزيمة. فالله سبحانه وتعالى أضاف الصوم له، وهذه الإضافة كما يقول العلماء هي إضافة تشريف وتكريم، فالله سبحانه وتعالى جعل ثواب الصيام غير مقدّر بعدد، إنما هو ثواب مفتوح لا يعلم قدره إلا الله سبحانه وتعالى.
^ بعض الآداب والسنن في شهر رمضان المبارك:
أيها الإخوة القراء! بعد هذا التوضيح لبعض الأخلاق العظيمة التي ينبغي أن نحافظ عليها، وبعض الصفات التي ينبغي أن نتركها تعالوا بنا في لحظات يسيرة نتعرف على بعض الآداب والسنن التي ينبغي أن ينبغي أن نراعيها في أيام وليالي شهر رمضان المبارك.
أ- السحور:
وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمعت الأمة على أنه سنة مستحبه، وأن من تركه يأثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تسحروا فإن في السحور بركة". متفق عليه. وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بغذاء السحور، فإنه هو الغذاء المبارك". سنن النسائي. فالنبي عليه الصلاة والسلام يؤكد لنا أن زمنَ السحور زمنٌ مبارك، وأن البركة تتنزل في هذا الوقت، ونحن نعلم أن وقت السحور هو الثلث الأخير من الليل، والله سبحانه وتعالى يتنزل في هذا الوقت إلى السماء الدنيا، ويستجيب لعباده المصلين، الراكعين، الساجدين، القائمين والضارعين إليه، ويقول"((هل من سائل فأعطيَه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟))". مسند أحمد. حتى يطلع الفجر.
اختار لنا النبي صلى الله عليه وسلم زمن البركة لنأكل فيه طعاماً قليلاً، ونتغذى فيه غذاءً مباركاً نتقوى فيه على طاعة الله تعالى. وسبب البركة أنه يقوّي الصائم وينشّطه وييسّر عليه الصيام، وليس المراد من السحور كسب الطعام والشراب، بل مجرّد أن يستيقظ الإنسان في هذا الزمن المبارك ليحصّل ثواب وفضيلة هذا الزمن. ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "السحور بركة، فلا تدَعوه، ولو أن يَجْرَعَ أحدُكم جرعة من ماء، فإنّ الله عز وجل وملائكته يصلّون على المتسحّرين". مسند أحمد. صلاة الله رحمة، وصلاة الملائكة استغفار، وصلاة العبد دعاء.
هذا هو الوقت المبارك الذي دعانا إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن نحرص عليه، ويستحبُّ تأخيره إلى آخر الوقت كما ورد عن سيدنا زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: " تسحّرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قدر ما بينهما؟ قال: خمسين آية". صحيح مسلم. وكان من صفات أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنهم أعجل الناس إفطاراً وأبطؤهم سحوراً.
ب- تعجيل الفطر:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الناس بخيرٍ ما عجّلوا الفطر". متفق عليه. وفي ذلك رغبة منه عليه الصلاة والسلام أن يحرص المسلم أن يكون صومه عبادة لا عادة، فأولئك الذين يمتنعون عن الطعام ساعات طويلة يكون امتناعهم عادة بقصد تخفيف الوزن، أو ما يسمى بالصيام الطبي أو نحو ذلك.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء، ويقوم بعد ذلك إلى صلاة المغرب. وقد ورد عنه عليه الصلاة والسلام قوله: "إذا صام أحدكم فليفطرْ على التمر، فإن لم يجد التمر فعلى الماء فإنه طهور". سنن البيهقي الكبرى. فالماء فيه خير وبركة، سواء شربه الإنسان أو تطهر به لصلاته.
جـ- الدعاء عند الإفطار:
        أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح يرويه الإمام ابن ماجة عن عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد". ابن ماجة. فليحرص الصائم على الدعاء عند الإفطار، وقد كان النبلي صلى الله عليه وسلم عندما يفطر يقول: "اللهم! لك صمت، وعلى رزقك أفطرت... ذهب الظمأ، وابتلّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله".سنن أبي داود. "اللهم! إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي". سنن ابن ماجة.
        وفي حديث آخر يقول عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة لا ترد دعوتهم؛ الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم".سنن الترمذي.
ء- استخدام السواك:
للسواك رأيان فقهيان عند علمائنا جواهم الله عنا كل خير؛ فبعضهم يقول: "يستحب استخدام السواك من بعد الفجر إلى الزوال، ثم يُكرَه بعده". وبعضهم يقول: "لا بأس باستخدام السواك أول النهار وآخره"، ومنهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى. فالسواك مستحب للصائم حتى يزيل ما علق بأسنانه من آثار السحور، أو لإزالة رائحة الفم أو نحو ذلك. وأما القائلون بكراهة استخدامه بعد الزوال فلحديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ولَخُلوفُ فيه[1] أطيب عند الله من ريح المسك". صحيح مسلم. وهذا نوع من التكريم للصائمين.
هـ- الجود والسخاء والكرم ومدارسة القرآن الكريم:
        الجود ومدارسة القرآن خُلُقان من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وهما مستحبان في كل وقت، إلا أنهما في رمضان أكثر تأكيداً. روى الإمام البخاري عن سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام". فكان يلقاه كل ليلة في رمضان فيدارسه القرآن، فَلَرسولُ الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
        هذان الخلقان (الجود ومدارسة القرآن) كان يحرص عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، فلنحرصْ على التخلق بأخلاقه عليه الصلاة والسلام، والالتزام بالآداب التي جاءت عنه.
^ دعاء:
        نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا صيامنا، وقيامنا، وركوعنا وسجونا. اللهم! أعنّا على الصيام والقيام، وغض البصر وحفظ اللسان، واجعلنا اللهم من عتقاء شهر رمضان. نسألك اللهم أن تتقبل منا كل أنواع الخير والبر والإحسان التي نقوم بها في هذا الشهر العظيم. اللهم! أعنا على طاعتك، وكن لنا عوناً ومعيناً، وحافظاً وناصراً ومثبّتاً وأمينا. وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، واحمد لله رب العالمين.
 

 التعليقات: 0

 مرات القراءة: 4107

 تاريخ النشر: 18/08/2011

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 630

: - عدد زوار اليوم

7400959

: - عدد الزوار الكلي
[ 49 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan