الولوعُ بالبطل .. ظاهرةٌ تُجمِّدنا !!! ...
بقلم : ريما الحكيم
في بعض الأحيان ، و حين تستمر المناقشات بين أفراد الجيل الواحد حول معرفة من سيكون ؟؟..
من هو ؟ .. أوُلد أم لم يولد بعد ؟؟ ..
يقول أحد الشبان : هل من المعقول أن يكون أسطورة فحسب ؟؟ ..
فتنطلق عبارات الرفض من أفواه القُدامى : (( لا .. ليس أسطورة .. بل هو حقيقة و سيأتي ، إننا نرجو أن نكون أحياء حينها.. ))
في بعض الأحيان .. حين ينطلق الضعف من النفوس ، ويقر أصحابها بيأسهم و انعدام حيلتهم ..
في بعض الأحيان .. عندما تبدأ الظروف بالانعكاس ، و تشعر الأرواح بعدم قيمتها في نفس من يحملها ، وحين تنعدم الحيلة و ينتشر اليأس و ينعدم الأمل ... و يشعر الناس بأن لا منفذ و لا مهرب مما نحن فيه ..
حينها .. يصبح ذلك حتماً لازماً .. و يصبح وجوده واقعياً كواقعية تحقق الأحلام .. يصبح موجوداً .. تخلقه تلك النفوس الضعيفة التي تبحث عن قوتها المفقودة .. فتجسدها فيه ..
يصبح هو الأمل ، المنقذ ، الأول ، و الأقوى .. ذاك الذي لا يقهر ..
ينتفض من بين الوجود ، فينفض عنه غبار الضعف ، و يعلم أنه هو ..
يجب أن يوجد .. لا بد أن يكون .. إنه البطل ... تخلقه تلك النفوس ، و تشكله كما تريده أن يكون ، تجعله ذاك الذي لا يهزم ..
لكنه لا زال مجرد صورة في عقل ، و خيالاً مسقطاً على واقع هش ..
فتبدأ تلك النفوس بالبحث عنه .. بالبحث عمَّن يجسد تلك الصورة ، و يلبس ذلك الخيال .. وحين تبدأ رحلة البحث هذه ، فإنها لا تنتهي .. لأن البطل ليس موحداً ، بل مقسماً في أجزاء موجودة في أماكن حيث لا تعرفها تلك النفوس ، لكنها لا تعلم هذا الأمر أيضاً فتبحث عنه في مكان واحد .. ربما تجد أجزاءً .. لكنها ترفضها .. لأنها تريده كاملاً ، إنه الذي لا يقهر ...
إننا كمسلمين ننظر إلى أبطال الإسلام نظرةً ملؤها المحبة و الرضا ، و السعي نحو انتهاج نهجه و المسير في دربه .. ننظر إلى ( عمر الفاروق ) رضي الله عنه ، فنرى في أنفسنا صغاراً ، و نشعر بالضعف ، و نصمم على أن نكون مثله ..
و عندما نحاول انتهاج نهجه ، تصدمنا العوائق ، فنتقهقر .. وننهزم.. و ننتظر ظهور ( عمر ) آخر ، إلا أننا متيقنون من أنه لن يكون ( أنا ) ..
نقرأ في تاريخنا الإسلامي عن فتوة ( عليٍّ ) كرم الله وجهه ، فتنتفض نفوسنا اعتزازاً ، و تقف أرواحنا احتراماً ، و نأخذه قدوة .. و نبدأ بالعمل على أنفسنا كي نكون مثله ..
لكن تأبى الظروف مساندتنا ، و تغلق في وجهنا الأبواب .. فنستسلم .. و ننتظر ( علياً ) آخر لن يكون (أنا ) ...
يُذكر أمامنا ( صلاح الدين ) رحمه الله ، ناصر الإسلام و المسلمين ، فتبدأ جروحنا على فلسطين بالبكاء دماً، و تنزل دموعنا راسمةً صورةً للأقصى الحلم البعيد .. فنأبى الظلم و نتمنى أن نحرر فلسطين ، و عندما نرى أول مظهرٍ من مظاهر قوة اليهود الذين يسعون للسيطرة على العالم .. نعود إلى نومنا الذي لما ينتهي ، و ننتظر (صلاحاً ) آخر .. لكن بالإضافة إلى أنه لن يكون ( أنا ) ، فإنه لن يكون من زماننا أيضاً .. و هكذا تتلاحق الانهزامات ، و تتوالى الخسائر ، ونحن مكاننا ، منتظرون، مترقبون ، متلهفون ، و متخلفون ..
وإلى متى؟؟.. الله أعلم ...
إنها تلك النظرة الخاطئة إلى البطل ، تلك النظرة المقدسة التي تشعرنا و كأن روحه قد توالدت من مددٍ إلهي.. و كأنه فوق البشر ، ملاكٌ يسير بيننا .. ننتظره فقط ، ففي كل عصرٍ لا بد أن يكون آتياً .. لا بد أن يظهر ، لأننا بشر ، ونفوسنا الضعيفة القاصرة الكسولة المتبلدة ( و هذا ليس على الإطلاق ) ، نفوسنا (المتكاسلة) تأبى عمل أي شيء ، و تتمنى أن يأتيها كل شيء بكل بساطة ( أي على البارد المستريح ) .. لذلك تخلق صورةً لبطل ، و تجسده ، و تضع فيه كل آمالها ، وأمنياتها ، و ترجو وجوده بسرعة ، و كأنه أمر في مدى ( كن فيكون ) البشرية ...
هذه المشكلة موجودةٌ منذ خلق الله الأرض ، و جعلنا خلفاء فيها لإعمارها و بنائها ، إلا أن هذا التخاذل كان أقل بكثير من عصرنا الحاضر .. وهذه الانهزامية كانت أخف ..
مشكلتنا ، أننا ننظر إلى البطل تلك النظرة ، و في الوقت نفسه نأبى ظهوره بيننا في أحدهم ، لأننا نريده أن يكون استثنائياً ، نريده أن يظهر فجأة بين الجموع ، دون أن يكون له أي إنذارٍ مسبق .. نريده أن يظهر و يحقق لنا كل ما نريد ، و يكون ( مصباحنا السحري ) ..
كثيراً ما أستغرب تلك النظرة الموجودة لدى الكثيرين منا ، و أتمنى لو أننا لا نكون بهذه التبعية لكل أمل ، (كالغريق المتعلق بقشة ) ، و كأننا لسنا مؤهلين لأي عمل إلا الانتظار ، و التأهب ، ترانا مستعدين لتجنيد كل طاقاتنا ، و لكن ليس وحدنا ، بل تحت إمرة البطل الذي سيظهر، تحت قيادته التي نرنو إليها بقلوبنا قبل أبصارنا ( على مبدأ : انتظر إنا معك منتظرون !!! )
ننظر إلى ما يفعله بنا أعداء الإسلام ، فنثور ونحن في مكاننا ، و نتوعد ، و نشجب ، و نستنكر ، و لكن .. لا ترى منا أي أفعال ، إلا الانتظار ، و الترقب .. و نبقى ننفعل و لا نفعل ..
نرى ما يحصل في فلسطين كل يوم ، فنبكي حرقةً على أبنائنا ، و تنزل دموعنا سخيةً ( و هذا فيما سبق ، لأننا الآن قد اعتدنا ) ، و ترانا بعد قليل نقول : (( لا حول و لا قوة إلا بالله )) وهذا شيءٌ أكيد ، و نكمل : (( لا بد أن تتحرر فلسطين ، لأن الله وعدنا بنصر إسلامه )) كيف و أنتم متخاذلون ، كيف و أنتم على ما أنتم عليه من الاستهتار و اللامبالاة و التبعية ، كيف و أنتم لا تفعلون شيئاً إلا الانتظار ... كيف و أنتم .. كيف و أنتم .. إن عوامل الهزيمة تبدأ من الداخل ، و محالٌ أن تهزم أمة قد أخذت بالأسباب، الأمة المتكاملة التي تتوافر فيها كل عوامل النصر التي ذكرها لنا القرآن الكريم و التي لا يتسع القول الآن لذكرها .. فالانهزام بدأ من شخصية المسلم ، الذي يظل يشعر بالدونية في كل حياته ، في دينه ، و تشريعات ربه ، في أوامر الله و نواهيه .. و النصر لن يتحقق إلا إن تضافرت كل عوامله ، مع الشعور به في نفس المسلم وروحه التي ستكمل مسيرته في الحياة واقعاً .. الراضي بما أمر الله ، و المتقبل لكل ما شرع الله ..
و نكمل : (( رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبرنا بأن فلسطين ستتحرر على يد المهدي إن شاء الله { و مَهْدِيُّنا غير المهديِّ الذي يدعو بعض المسلمين بأن يعجل الله فرجه } )) ..
فأقول : لماذا علينا الانتظار حتى ظهوره .. هذه هي نظرية الولوع بالبطل ، و هي نظرية موجودة في علم النفس الحديث ، و قد تكلم عنها الكثير من علماء النفس ، فقالوا: إن كل إنسان يضع لنفسه قدوةً في حياته تتجمع فيها كل الصفات التي يحبها و يتمنى لو يكون عليها.. و هذه الصفة فطرية ، فالطفل الصغير يرى في أبيه مثالاً يحتذيه ، و قدوةً ينتهج نهجها ، و كلما كبر الإنسان كلما توسعت دائرة احتمالاته ، و قد تتغير قدوته مع تقدمه في العمر ..
أنا لا أرفض هذه الفكرة ، فنحن كمسلمين نرى في رسول الله صلى الله عليه و سلم قدوة لنا في كافة أعمالنا، و أفعاله سنة لنا ، و تصرفاته في مندوباتنا .. و نرى في كل إنسان صالح قدوة نتمنى أن نكون مثلها ، لكن أن نقول هذا و نجلس منتظرين ، فهذا ما أنا بصدد الكلام عنه ..
لماذا علينا انتظار المهدي حتى يظهر لنبدأ في عملية تحرير فلسطين مثلاً ، لماذا علينا أن نبقى مقيدين في قيد الانتظار .. لماذا هذه التبعية ؟؟ .. لماذا لا يكون كلٌّ منَّا مهديٌّ في تصرفاته ، إن لم يكن هو في نفسه ؟؟ لماذا لا نحاول التصرف ، لماذا لا نبدأ باتخاذ القرار ، لماذا لا يكون كل منا بطلاً ؟؟ .. إننا متجمدون ، نائمون ، غافلون عن كل شيء تحت ظل الانتظار..و هذا ما أرفضه بكل قوتي ..
و قد سأل أحد الدعاة مرةً علماً من أعلام الفكر الإسلامي : ما هي صفات المهدي ؟ و متى سيخرج ؟ وكيف سنتبعه ؟ فقال له : ( لماذا لا تكون أنت المهدي ؟11 اترك كل تلك الأسئلة و اعمل ) ..
يقولون : (( لا يجتمع بطلان في ساحة واحدة )) ، لكننا نرى تناقض هذه الفكرة مع حقيقة أن الصحابة رضي الله عنهم في عهد النبي صلى الله عليه و سلم كانوا كلهم أبطالاً ، فأبو بكرٍ وعُمر و عثمان و علي وخالد و أبو هريرة و كل الصحابة كانوا أبطال عهد النبوة ، و الأعلام التي رفرفت في سماء ذلك العصر .. فلماذا لا نكون نحن أعلام هذا العصر ؟؟ لماذا لا يكون أحدنا أبا بكر ، و الثاني عمر ، و الثالث علياً ؟؟ لماذا لا يكون هذا خالداً ، و الآخر عثمان ؟؟ ..
لقد دخلت في تساؤلات عديدة جعلتني في حيرةٍ من أمري .. لكن الوقائع التي نعيشها تتناقض مع ما نقرأ في تاريخنا المشرف ، و كأننا من أمتين مختلفتين .. مع أننا أمة الإسلام ، كنا و لا زلنا ..
إذاً ما علينا إلا أن ننفض عن أنفسنا غبار الهزيمة الذي سمُك حتى غطى عقولنا و جعلها تنام تحت ثقله ، وما علينا إلا أن نكون أبطالاً في أنفسنا ، فلنقبل بما نحن عليه ، و لنكن أنفسنا ، ولنبتعد عن كل تقليد وتبعية.. هنا نسمو و نرتقي و نصل إلى قمم الدنيا التي خلقها الله لنا ، و التي ما حُرمنا منها إلا بسبب تخاذلنا و تواكلنا .. و لنعلم أن قبولنا لأنفسنا هو أول عامل من عوامل النصر التي ستستمر بالظهور على أيدينا ما دمنا نسعى وراءها في ظل ثقتنا بالله، و ثقتنا بنصره المحقَّق ، تلك الثقة التي هي ينبوع طاقتنا ، ومكمن حياتنا ..
جعلنا الله ممن ستتحقق نهضة الأمة على أيديهم ..
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
2922 |
|
|
تاريخ
النشر: 04/01/2008 |
|
|
|
|
|
|