كن أنت ..
بقلم : نور محمد فتحي السرايجي
كثيرة هي الشؤون التي لا حدود لدائرتها .. والتي لا صدى لصوتها ..
والتي لا منتهى لحدودها...
عيّنات من الوجوه تتراءى ؛ مضمرة وظاهرة، نضرة و قبيحة ؛ لتشدو بأنغامٍ حلوة و مرّة..
لتبثّ بأثيرها إلى من هم قريبون بعيدون ...
هاأنا أتجرّد عن شخصي لأتقمّصَ شخصكم ..لأرى بعين المكبّر ما لا يبدو لي ..
لأسترق حديثاً قد جال في محيّاكم .. وطرق فكركم ..حاكى بريق نبضكم..
إكسير الحياة مطلب الكلّ، إذ لا كلّ في الكل ، وإنما البعض يتجلّى في الكلّ ،
أو حتى البعض و النيّف..
فأنا أنا في غيابات الوجود ؛ ذاك الذي سرّه الرّوح ، ومغزاه الخضوع لرب الكون..
حتى مصطلح العقل فإنه لَيتخبّط في الآفاق معلناً بثّ مزيج من الضحكات عليك يا صاحب العقل ..بالأمس كنا نتلمّس شذى روعة وسحر وخيال بعضٍ من أحجيات حكايا الأطفال ، و الآن نقف مذعنين لذبذبات حكايا الكبار تلك التي تُقصّ علينا فتملأ ذاك الفراغ الذي يعبق هنا و هناك ..فنضحك ونفكّر ونتأمل و نخجل و نكتب و نقرأ...
أنتَ في مقام محاجّة لا طائل من التملّص منها ؛ فمفتاح الأمور اقتضت منك الثّبات في الأمر و التّصدي لمخاطبة الآخر؛ لمحاورته ... لفهمه ...
لمعرفة بعض منه ... لأخاطبه كله بكيانه ذاك الّذي لا ينفك عنه مادام الدّم يسري فيه..
وإذا ما وقفت برهة على توارد الخاطر فإنك ستعلن بوجود نقطة تمركز تلزم المتحدّث بتجرع نفس من هواء الحياة ، و تلزم السّامع باحترام الآخر و الإنصات له ؛ لتحسّس شتّى معاني الوقف تلك التي تحمل في جعبتها فيضاً من جوهر المقام الذي تتقلده الشخصيات المرموقة فتمارس به ضروباً من تمثيل أدوار الدوق و تصرفات الامبراطور و تبجيل الجواري و لعبة العبيد تلك التي وا أسفاه تقتضي التبجيل لمن هم مثله تماما ...دون أيّ فرق بينهما ؛ لأنّ تمام الحياة هكذا دون أيّ تكلف فحسب ، مع تجلّي ووضوح الخطأ في ذلك فالخضوع هو لربّ الأرباب ..
أترانا بتنا في عوز إلى قولِ كلامٍ سديدٍ يقتضي منّا تنبّهاً ممزوجاً برائحة معرفة أم معرفة مزجت بالتنبّه وذلك لأنك يا من تدّعي الوصول وتظن في أعماقك أنك تحرز الكمال ينقصك الكثير بل وإنّ ما تحرزه هو حتماً و تماماً و مؤكداً جدّ ضئيل.
لأنّ القِمّة هي للقلة ، و الذروة هي للثلة فحسب يا صديقي و يا أخي و يا قريبي
و يا أنا ...
أين أنت يا مولاي يا أيها الرافعي عندما ناشدت أنّك لن تستطيع أن تكون قربي إلا بعد أن تحرز مرتبة ندائك يا من أنت أنا ..
أحقاً أستطيع أن أناجي أحدا بـ : يا أنا ..أم إن ذلك من مُحال خيال اليقظة التي تتردد فقط في كلام السطور..
إننا إزاء هذه الترهات نجد أن الكيان يهترئ تباعاً ؛ لأنّ يداً جبارة ـ بقضاء الله و قدره ـ قد انتزعت منه سرياناً فيه لحن الحياة ..
فلا تلاحظ إلا سرعة توثّب فكرك مع توقف نبضك لتضع يدك على مغزى الحياة ؛ فقلبك هذا عليه أن يعيَ لا أنْ يعيش في سرادقات لن توصله إلا إلى الظلام ..
فليس كل طريق لاح السنا فيه يفضي إلى المرام فكم و كم من مرّة انتقلت من النور إلى الظلمات فقط لأنك قد جاريت قلبك و أوقفت عقلك ..
آه لو أنّ القلب يرى الرؤية الحقّة لا رؤية كلام النّحو في عملها أو دونه ..
وما أروعك أيها السّباعي عندما عرضت قضية الصراع بين العقل و القلب و خرجت إلى نتيجة التوازن بينهما ..
ولكن آ الواقع يؤيّد ذلك ؟ أم إنّ أحدهما يسيطر على الخارج و الآخر يستلم مهمّة المعركة في الدّاخل تلك التي ستؤدي حتماً إلى صراع
كما أسلفت يا سيّدي..
قلب ينبض و عقل يتوقف أو عقل يفكر و قلب لا يأبه ..وذكاء الإنسان هو الذي يحرص على إبراز أحدهما ، و الموقع الذي يحتلّه هو من يتيح الظهور لأحدهما مع إعطاء إجازة بسيطة للآخر ، وربّما يطلب منه أن يكون في وضعيّة الصّامت لبرهة حتى يجيد تقلّد المكان الذي هو فيه ..
لكن يا لَروعة القلم الذي يكشف مكنوناتك يا صاح ...ويا لعمق مابين أسطرك فهي القادرة على التصريح بمن تكون فكلامك حتماً يأخذ منك شحنةً لا تقاس..
وأما عن الحقيقة فهي أنّ حياتنا العقلية ما هي إلا مزق.. وحظك في السّماع من معقولاتها هو الذي يرقى بك إلى درجة تحظى بها على الخير ، فتسعى إلى طلب الشيء بصدق و حرص ..
فتكون في عتبة المعرفة المحفوظة الضابطة التي لا شكّ فيها .
هيا اسعَ إلى نظر ٍ عقليّ معينّ يكون على دراية بيقظتك التامة التي لا يغيب فيها فؤادك ..
نظر ٍيليق بإنسانيتك.. تتمسّك بردائه ؛ إذ إنّ الهوى صعب حقاً جداً .
أتدري أنّ ذاكرتك الشابة تعمل بإرادة و غير إرادة لذا عليك بقوّة اليقين ؛
فالكبر الحقيقي هو كبر اليقين لذا قم و أتقن مخزونك العلميّ وكُفَّ عن التهميش و ابتعد عن دورك في تسطيح الأمور..
ولن يدرك عموم هذه الأمور إلا روحك فهي التي تحس و تدرك لذا عليك بحضورها ..
وإن أردت تمام اليقظة فعليك بالمشاكسة العقلية متتبعاً أنت بذلك العلل و الأسباب جميعها ؛ فحيويّة فكرك هي نوع من التعاطي العقليّ ذاك الذي سيجعل عقلك حاضراً..
إنك إن أتقنتَ لغتك تماماً ووعيت فهمها فاعلم أنك ستعرف لغات بعينها ..
وكلّنا يسعى إلى مقام التنزيه لذا فلتسعَ إلى تلمس عتباته و الترفّع نوعاً ما عن النقائص الآدميّة.
.و الشعور بعظمة الجلالة..فهي التي ستقود بيدك إلى كلّ الدّلالة ..
وكلّ ذا وذاك بيد الواحد العالم الذي بيده ملكوت كل ما خفي و دقّ في هذا الوجود ..
فهلُمَّ إلى الحقيقة الكبرى التي لا مفادَ منها ..
وكن إنساناً يأنس و يؤنس بك ..
ولتحرص على أن تكون أنت أوّل من يأنس بك و عندها ستجد أن ( هو ) سيحقق معادلتك تماماً ...كما تريد و أفضل ..
ع ِ أمورك ....ق ِ نفسك ...
بعقلك وقلبك معاً ..لا بواحد فحسب ...
تمسّك ببراءة طفل و ابتسامة وليد ...
وكن أنت ..
ودمتم بخير
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
9764 |
|
|
تاريخ
النشر: 30/01/2013 |
|
|
|
|
|
|