::: موقع رسالتي - رؤية جديدة في الخطاب الإسلامي :::

>> قضية ونقاش

 

 

ثقافة (العيب).. أم ثقافة (الحرام)؟؟

بقلم : هيئة التحرير  

 

تنتشر على ألسنة الأمهات عند تربية أولادهن مصطلحاتٌ تزرع في عقول أطفالهن أفكاراً خاطئة للأسف، ويزداد الأمر تعقيداً حين نجد أن الأمهات رُبِّين بالطريقة نفسها التي يُربِّين عليها أولادهن.. ومما يثير الاستياء أن البعض منهن يتشبثن بالطريقة تلك كما لو كانت طريقة مقدسة، ولا يقبلن أن يغيرن منها أي جزء حتى لو مجرد المصطلحات التي إن تغيرت، تتغير تركيبة الأفكار المزروعة في عقل الطفل كلها..

من تلك المصطلحات مصطلح (العيب).. ويطلق هذا المصطلح عند أغلب المتحدثين به على الأمور التي حرمها الشرع وتلك الأمور غير المقبولة لدى الناس والمنافية للعرف والتقاليد.. لكنه في حقيقته يشير إلى تلك الأمور المنافية للعرف والتقاليد فقط، ومع أن الأمهات يعرفن هذه الحقيقة، إلا أنهن يطلقنه على ما حرمه الشرع أيضاً، مما يزرع في نفوس الأطفال أن (الأمر المحرم) هو (عيب)، وبالتالي يُنسى أنه محرم مع الزمن، ويبقى على صفته المزيفة: (العيب).

قد يقول البعض: لا مشاحة في الاصطلاح!!

ولكن...

 

فرق كبير بين الحرام والعيب...

الحرام هو ما حرمه الشرع وأوجب على مرتكبه عقوبة، قد تكون أخروية فقط، وقد تكون دنيوية وأخروية.. أما العيب فهو ما ينافي العادات والتقاليد ويخالف العرف وعقوبته دنيوية في أن الناس كلهم سيلومون من فعل (العيب) ويرفضون فعلته ويتوجهون له بالتقريع والتوبيخ..

الحرام يعاقب عليه الله، وبالتالي فإن الإنسان يعلم أن الله يراقبه، فلا يرتكب الحرام خوفاً من الله الذي يراه في كل لحظة وفي كل خطوة.. أما العيب، فالمجتمع ككل هو الذي يعاقب عليه، وبالتالي فإن الإنسان لا يفعله أمام الناس خوفاً من لوم المجتمع له، أما إن كان وحيداً، فلا مشكلة، لأنه ليس هناك من سيوجه له اللوم...

 

أين تكمن خطورة الأمر؟؟؟

وبالتالي.. تكمن خطورة الأمر في أن الطفل الذي يكبر وفي أفكاره كلمة العيب عوضاً عن الحرام، فإن عدم فعله للأمر سيكون أمراً مؤقتاً، يعني أمام الناس فقط..

وخير مثال على هذا الأمر:

طفلٌ عاد إلى منزله من المدرسة، فوجدت معه أمه قلماً جديداً، سألته عنه فقال لها أنه سرقه من صديقه.. سرعان ما ستقول له والدته:

(( ماما.. هذا عيب... هذه سرقة والسرقة عيب ))...

مع الوقت.. فإن الطفل سيردُّ القلم لصديقه، وسيعي أن السرقة أمر مرفوض.. ولكن درجة رفضه بالنسبة له ستكون قليلة.. لأن السرقة عيب.. يعني بإمكانه أن يسرق إن ضمن أن أحداً من الناس لن يعلم، وسيبتعد عن السرقة كلياً لمجرد الشك بأن أحداً من الناس سيعلم..

أما لو أنها زرعت في تفكيره أن الأمر حرام، لكبر وعلم مع الوقت أن الحرام هو ما حرمه الله، وأن الله يراقبه ويراه طوال الوقت، ولكان الدافع له في عدم السرقة دافع ديني لا اجتماعي، وبذلك لن يسرق أبداً، لا أمام الناس ولا من ورائهم، لأنه يعلم أن الحرام سيعاقبه الله عليه..

هل علمتم أين تكمن خطورة الموضوع، وهل عرفتم أثر المصطلحات في تربية الطفل؟؟!!

 

شرقٌ وغرب

ثقافة العيب و ثقافة الحرام مختلفتان كلياً.. وأكبر شاهدٍ عليهما الفرق في الالتزام بين الشرق والغرب، أو بيننا نحن المسلمين، وبين أصحاب الحضارة في الغرب.

فالإنسان الغربي الذي يعيش في دولة متحضرة يلتزم بقوانين دولته خير التزام كما يشاع عنه، والأمر صحيح نسبياً، ولكن.. ما هو سبب التزامه الشديد ذاك؟؟ هل هو الأخلاق؟؟ إن دققنا في الموضوع سنجد أن سبب الالتزام هو شدة القوانين وصرامتها، فالمواطن الغربي يخشى إن هو خالف قانوناً ما من غرامة كبيرة جداً أو عقوبة مالية مرتفعة أو مدة سجن لا يخرج منها إلا بكفالة كبيرة قد لا يستطيع تحملها.. فالدافع في عدم إخلاله بالقوانين هو خوفه من العقوبة، وبالتالي، لن يلتزم ذاك الالتزام الكلي إن هو تأكد أن العقوبة قد ألغيت أو خففت، أو أنه لا أحد يراه ولن يكتشف أمره إنسان!!

أما الإنسان المسلم، فإنه يلتزم بما أمره الله ويجتنب ما نهاه عنه، وقد يكون السبب هو جنة ونار آخر الأمر، يعني عقوبة مخيفة، لكن الأولى من هذا هو غضب رب العباد عليه إن هو أخل بواجباته أو فعل ما نهاه الله عنه، وغضب الله يعني جهنم في نهاية الأمر، لكنه يعني أيضاً عدم رضا الله عنه وعدم توفيقه في حياته، وهو يعلم أن الله يراه في كل لحظة، وأن الله يراقبه في كل فعل.. لذلك فالدافع للانتهاء عن المنهي عنه دافع إلهي رباني علوي.. وبالتالي، لن يرتكب ذلك الأمر أبداً!!!

 

وفي النهايــــة..

كانت تلك وجهة نظر في الموضوع.. لها أثرها في المجتمع، فغياب ثقافة الحرام عن الأذهان أمر خطير له أكبر الأثر في الانحرافات والأمراض التي تصيب مجتمعنا.. ونشرها بالتالي سيكون أكبر عون لنا على علاج مجتمعنا والارتقاء به..

فلماذا لا نساهم في نشر (ثقافة الحرام) واستبدال (ثقافة العيب) بها؟؟

لماذا لا نساهم في تنشئة أطفالنا أن أول من يجب عليهم خوفه هو (اللـــه) وليس (المجتمع)؟؟

نحن لا ننكر دور العرف والمجتمع في التربية، ولا ننكر أنهما مهمان جداً، ولكنهما يحتلان المرتبة الثانية، والمرتبة الأولى يجب أن تكون (مراقبة الله لنا)..

إخوتي القراء.. عرضنا وجهة نظرنا في الموضوع.. وبينا الأسباب التي دفعتنا للكتابة في هذا الأمر.. برأيكم.. أيهما أقوى: (ثقافة العيب) أم (ثقافة الحرام) ؟؟ ولماذا؟؟

وما هي الطرق التي يمكننا أن ننشر (ثقافة الحرام) بها في الأذهان؟؟

وكيف نعلم أطفالنا أن (الحرام) أشد حرمة من (العيب)، وأن الأمر المحرم، هو حرام، وليس عيباً فقط، وأن عليهم مراقبة الله في كل تصرفاتهم؟؟؟


 التعليقات: 2

 مرات القراءة: 3259

 تاريخ النشر: 09/11/2009

2009-11-18

زينا

السلام عليكم .الأولاد في سن الطفولة كالإسفنجة التي تغب كل ما تلقاه و لذلك حساسية ذلك تتطلب إفهامهم أن الحرام أقوى من العيب لأنه شيئ مرتبط بما حرمه الله تعالى و ذلك بمدى صدق الأهل عندما يعلمون أبناءهم ذلك.

 
2009-11-12

علا عبد الله صبَّاغ

……ويزداد الأمر تعقيداً حين نجد أن الأمهات رُبِّين بالطريقة نفسها التي يُربِّين عليها أولادهن….هل هي نوع من الثقافة التقليدية؟ أم ماذا؟ أعتقد أن تربية الأبناء على التمييز بين "العيب" من أجل المجتمع والأخلاق أمر هام، ولكن يجب التأكيد على أن بعض الأمور والأخطاء السلوكية هي من الحرام قبل أن تكون من العيب. هناك شيء يجب وضع الخط الأحمر عنده وعدم تجاوزه ، وتعليم الولد ذلك أمر ضروري. ولكن السؤال هل تستحي من الناس ولا تستحي من الله؟ هل بات الإحسان أمر في السطور دون الصدور؟ ……..رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِين…..

 

ملاحظة:
الآراء المنشورة لاتعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو القائمين عليه، ولذا فالمجال متاح لمناقشة الأفكار الواردة فيها في جو من الاحترام والهدوء ونعتذر عن حذف أي تعليق يتضمن:
1- يحتوي على كلمات غير مهذبة، ولو كانت كلمة واحدة.
2- لايناقش فكرة المقال تحديداً.

 

 1943

: - عدد زوار اليوم

7406235

: - عدد الزوار الكلي
[ 58 ] :

- المتصفحون الآن

 


العلامة الشيخ محمد حسن حبنكة الميداني


العربيــة.. وطرائق اكتسـابها..
المؤلف : الدكتور محمد حسان الطيان








 
   

أحسن إظهار 768×1024

 

2006 - 2015 © موقع رسالتي ، جميع الحقوق محفوظة

 

Design & hosting by Magellan