رابعة العدوية شوهتها السينما وأنصفها كتاب
بقلم : هالة الدسوقي
أبدا لم تكن رابعة العدوية في يوم من الأيام غانية ولا من أهل الفجور ولا ممن غرقوا في بحر الشهوات، كما صورها بعض الكتاب وأظهرتها شاشات السينما، بل كانت ومنذ طفولتها تقية تتحرى الله في كل تعاملاتها، وتشهد لها مقولتها، وهي مازالت طفلة، لأبيها: يا أبتِ لست أجعلك في حل من حرام تطعمنيه فقال لها : أرأيت إن لم أجد إلا حراما؟ فقالت: نصبر في الدنيا على الجوع خير من أن نصبر في الآخرة على النار.
هكذا كانت رابعة .. متدينة منذ طفولتها المبكرة وأيضا في مراهقتها ثم شبابها، حيث طلب الكثيرون زواجها منهم عبد الواحد بن زيد، وهو أحد مشاهير أهل التقوى خلال عصرها، فحجبته أياما حتى سئُلت أن يدخل عليها فقالت له: يا شهواني أطلب شهوانية مثلك أي شيء رأيت في من آلة الشهوة.
وخطبها محمد بن سليمان الهاشمي أمير البصرة على مائة ألف، وقال : لي غلة عشرة آلاف في كل شهر أجعلها لك. فكتبت إليه ما يسرني أنك لي عبد، وان كل مالك لي، وأنك شغلتني عن الله طرفة عين.
فهل كان من المعقول أن يكون خاطبوها على هذا القدر من التقوى والسلطة والجاه وأن تكون رابعة من النساء ذوات الماضي الشائن؟!
سؤال طرحه دكتور عبد المنعم الحفني في كتابه " رابعة العدوية .. إمامة العاشقين والمحزونين"، وأجاب عنه بأن أقوال رابعة ومحاوراتها لرجال الفكر والدين والدنيا تدل على ذكاء عال جدا، ووعي وحس دينيين وشخصية متميزة من كافة النواحي. ولم تعرف عن رابعة أية شائنة ، لا في سلوكها ولا في أقوالها ولا في محيطها من النساء والرجال.
شهيدة العشق الإلهي
ورابعة .. هي مؤسسة مدرسة الحب الإلهي في الإسلام وشهيدة العشق الإلهي .. روحانية وراهبة من راهبات الفكر الصوفي الأصيل .. صاحبة فضل وفكر.. رأس العابدات والناسكات القانتات الخائفات الوجلات.
وبالعودة إلى سيرة رابعة .. نجد أن الجاحظ أول من كتب عنها. وقد عاش في البصرة في زمن قريب من زمنها، وربما سمع بها في صغره، أو رآها رأى العين، وهو يذكرها فقال : ومن النساء (يقصد من أهل البيان) رابعة القيسية من آل عتيك بنو عدوة، ولهذا تسمى العدوية، وأما كنيتها فأم الخير بنت إسماعيل وبذلك يحدد الجاحظ نسبها.
وذكرها الزركلي فقال : إنها رابعة بنت إسماعيل العدوية، وهي أم الخير مولاة آل عتيك، البصرية، صالحة مشهورة من أهل البصرة، ومولدها بها.
وقال بن خلكان: قبرها يزار وهي بظاهر القدس من شرقية على رأس جبل يسمى الطور.
وكانت وفاتها 185 هـ وقيل غير ذلك وعمرها فوق الثمانين.
رؤية أبيها
ولدت رابعة في ليلة لم يكن من شيء في بيت أهلها، فأبوها فقير، ولم يكن في البيت قطرة سمن يدهنوا بها موضع خلاصها ولا ما يستنيروا به، ولا قطعة قماش يلفون بها الوليدة، وكانت للأب ثلاث بنات فسميت رابعة، لأنها رابعتهن.
وسألته زوجته أن يذهب إلى الجيران في طلب نقطة زيت لإضاءة المصباح، ولكنه كان قد عاهد نفسه ألا يسأل الناس شيئا، ولو طلب لأعطوه ومع ذلك ذهب إلى الجارة ودق الباب وعاد يقول إنهم لم يفتحوا له وبكت امرأته.
ونام الرجل فرأى الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه يقول له ألا يحزن، فهذه البنت الوليدة هي سيدة وأن سبعين ألفا من أمته ليرجون شفاعتها، وأمره أن يذهب في الغد إلى أمير البصرة عيسى زاذان، ويكتب له ورقة يقول له فيها إنه يصلي مائة صلاة في اليوم وأربعمائة صلاة يوم الجمعة إلا أنه نسى الله في الجمعة الفائتة وعليه أن يكفر عن ذلك بأربعمائة دينار من ماله الحلال يدفعها لكاتب هذه الورقة.
وعندما استيقظ أبو رابعة كتب الرسالة وأعطاها للحاجب يوصلها للأمير وقرأها الأمير فأمر بأن يُصرف لكاتب الرسالة الأربعمائة دينار، بالإضافة إلى ألف أخرى يقسمونها على الصوفية.
كانت حـــرة
وكبرت رابعة وتوفت الأم ثم الأب وحدثت مجاعة في البصرة فتمزق شمل الأسرة وتفرقت أخواتها، وخرجت رابعة تهيم على وجهها حتى رآها من سولت له نفسه أن يأسرها ويبيعها بستة دراهم إلى شخص أخذها إلى بيته خادمة وأثقل عليها العمل وخرجت يوما تقضي مصلحة فتبعها رجل فخافت وهربت، وضلت الطريق فارتمت على الأرض تبكي وتناجي ربها أنها يتيمة وأسيرة، وأنها تائهة فهل كان ذلك لأن الله غير راض عنها.
وهتف بها هاتف من أعماقها :"لا تحزني لأنه في يوم الحساب فإن المقربين سينظرون إليك ويحسدونك على ما أنت فيه"، وأثلج صدرها أن تسمع ذلك ، فسعت إلى بيت سيدها وصارت تصوم وتخدم سيدها وتصلي لربها وتقوم الليل.
وفي ليلة استيقظ سيدها يقضي حاجة فنظر حيث رابعة فوجدها ساجدة وسمعها تقول يا رب لكم يتمنى قلبي طاعتك وأن أبذل عمري متعبدة لك ولو كان أمري بيدي لما توقفت عن هذه العبادة، ولكن أمري بيد سيدي.
ورآها سيدها وكأن هالة من النور تحيط برأسها وهي ساجدة تصلي حتى طلع النهار فنادى عليها وتحدث إليها واعتقها وسألها أن تبقى في بيته لو شاءت وسيكون الجميع في خدمتها وان تنطلق حرة إذا رغبت ومتى شاءت وودعت رابعة أهل البيت ورحلت وانقطعت للعبادة كما كانت ترجو.
إنشـــاد النــاي
وقيل أن رابعة، بعد تحررها، احترفت مهنة العزف على الناي مدة، ثمر رجعت واعتزلت وبنت لنفسها خلوة انقطعت فيها للعبادة. وحاشا أن يكون العزف على الناي اندفع برابعة في طريق الشهوات مع ما كانت عليه من جمال باهر.
ويفند الكاتب قول الفيلسوف عبد الرحمن بدوي، صاحب كتاب شهيدة العشق الآلهي: رابعة العدوية، بأنها غرقت في بحر الشهوات بعد عتقها بدلالات كثيرة منها الوراثة والبيئة، بالإضافة إلى الاستعداد الشخصي. وكان جيران أبيها يطلقون عليه العابد، وما كان من الممكن وهذه تنشئة رابعة أن يفلت زمامها.
كما أنها رفضت الزواج بشدة، وقد سألها الحسن البصري أن تتزوجه فردت عليه بأن الزواج ضروري لمن يكون له الخيار في أمر نفسه، وهي لا خيار لها في نفسها فهي لربها وفي ظل أوامره ولا قيمة لشخصها.
وزواج رابعة قضية مهمة اختلف فيها المؤرخون فهناك من قال بأنها تزوجت ولم يتقدم لها الخطاب إلا بعد موت زوجها، والبعض يؤكد بعدم زواج رابعة، وهو ما ذهب إليه مؤلف هذا الكتاب، للأسباب التالية:
- لأنها لم تكن ترى فيها ما يمكن أن يشتهيه الرجل.
- لأنها كانت زاهدة في الدنيا، فكيف يمكن أن يكون لها فيها الأهل والولد؟
- لأنها كانت في قلق وكرب من الآخرة، فكيف تحتاج إلى الزوج وتتفرغ له.
- أنها كانت تجد راحتها في خلوتها.
- أنها صيرت الموت فطرها على الحقيقة، فأماتت منها شهوتها، ومعني قول رابعة تصيير الموت فطرا أنها ما عادت تشتهي الرجال.
تصلي الليل كله
وضُرب المثل برابعة في قمة الحب لله وتفانيها في عبادته والتقرب إليه، حيث وصفت عبده بن أبي شوال، وكانت تخدم رابعة، حالها بقولها : كانت رابعة تصلّي الليل كله، فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر، فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذاك وهي فزعة: يا نفس كم تنامين! وإلى كم تقومين! يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور!
وأكملت: فكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت، فلما حضرتها الوفاة دعتني فقالت: يا عبدة لا تؤذني بموتي أحدا، ولفيني في جُبتي هذه، فلما ماتت كّفناها في تلك الجبة وخمار صوف كانت تلبسه . ورأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي، عليها حلة استبرق خضراء وخمار من سندس أخضر لم أر شيئا أحسن منه . فقلت يا رابعة: ما فعلت بالجبة التي كفّناك فيها والخمار الصوف؟ قالت : أنه والله نزع عني، وأُبدلت به هذا الذي ترينه علىّ، وطُويت أكفاني وخُتم عليها ، ورُفعت في عِلّيين لتكمل لي بها ثوابها يوم القيامة. وسألتها : مريني بأمر أتقرّبُ به إلى الله عز وجل؟ فقالت: عليك بكثرة ذِكره، أوشك أن تُغبطي بذلك في قبرك!
وكانت رابعة تصلي ألف ركعة في اليوم والليلة، فقيل لها ما تطلبين بهذا؟ قالت: لا أريد به ثوابا وإنما أفعله لكي يسيرّ رسول الله يوم القيامة، فيقول للأنبياء انظروا إلى امرأة من أمتي هذا عملها
وتصوم سبع أيام وليالي
وقيل إن رابعة صامت في إحدى المرات سبع ليالي وسبعة أيام على التوالي، فلم تكن تأكل شيئا ولا تنام في الليل وانقطعت للعبادة وفي الليلة الثامنة وقد شق عليها قالت في نفسها إلى متى هذا العذاب.
فسمعت لتوها صوت الباب، فلما فتحت ناولها أحدهم طعاما في صحن فأخذته ووضعته لتوقد المصباح فجاء قط وأكل ما في الصحن وتبينت رابعة ما حدث فقالت أفطر على حبة ماء وذهبت لتحصيل الماء فانطفـأ المصباح وسقطت جرة الماء من يدها فصرخت يارب. ماذا تريد بهذه المسكينة؟
فسمعت هاتفا يقول لها: يا رابعة لو شئت أعطيناك الدنيا ولكن في المقابل ينبغي أن تنزعي من قلبك حبك لله، لأن الحب لله وللدنيا لا يجتمعان!
وتقول رابعة : فعندما سمعت ذلك نزعت عن قلبي كل حب للدنيا وللدنيويات ومضت ثلاثون سنة لم أصل فيها لله دون أردد على نفسي أن صلاتي هذه هي آخر صلاة لي ولم أتوقف للحظة طوال ذلك أن أدعو الله أن يغرقني في حبه، فلا يشغل قلبي بحب آخر خلاف حبه.
وكانت رابعة كثيرة البكاء والنواح وما من سبب لذلك من ألم أو وجع. وسألوها عن ذلك فقالت إن علتها التي تتوجع منها ما من دواء لها سوى مشاهدة الله تعالى وان ما يعينها على احتمال علتها إنما هو رجاؤها في أن يتحقق لها ذلك في الآخرة.
قالت رابعـــة:
روي عن رابعة العدوية الكثير من الأقوال المأثورة، منها أن الثوري قال لها يوما لكل عقد شريطة ولكل إيمان حقيقة فما حقيقة إيمانك؟ قالت: ما عبدته خوافا من ناره ولا حبا لجنته، فأكون كالأجير السوء، إن خاف عمل، أو إذا أُعطي عمل، بل عبدته حبا له وشوقا إليه.
وقيل كان صالح المرّى يقول كثيرا: من أدمن قرع باب يوشك أن يُفتح له، فقالت له رابعة: إلى متى تقول هذا؟ ومتي أُغلق هذا الباب حتى يُستفتح! فقال صالح: شيخ جهيل وامرأة عَلمت.
وكانت تقول يا رب كل ما كتبته لي من خير في الدنيا فأعطه لأعدائك وكل ما كتبته لي في الجنة فامنحه لأصدقائك، لأني لما أطلب إلا وجهك.
وسئلت رابعة عن المحبة فقالت: ليس للمحب وحبيبه بين، وإنما هو نطقُ عن شوق، ووصف عن ذوق، فمن ذاق عرف، ومن وصف فما اتصف، كيف تصف شيئا أنت في حضرته غائب، بوجوده دائب، وشهوده ذاهب، وبوحك منه سكران، وبفراغك له ملآن، وبسرورك له ولهان! فالهيبة تخرس اللسان عن الإخبار، والحيرة توقف الجبان عن الإظهار، والغيرة تحجب الأبصار عن الأغيار، والدهشة تعقل العقول عن الإقرار، فما ثم إلا دهشة دائمة، وحيرة لازمة ، وقلوب هائمة وأسرار كاتمة، وأجساد من السُقم، والمحبة بدولتها الصارمة وفي القلوب حاكمة.
وكانت تقول: يا رب لو كنت أعبدك مخافة النار فأحرقني بها ولو كنت أطمع في الجنة فاحرمني منها وإن كنت لا أعبدك إلا لوجهك فلا تحرمني مشاهدته.
وكانت تقول إن حبها لله لم يترك في قلبها مكانا لتكره، حتى ولو كان هذا الذي ستكرهه هو إبليس.
كـراماتها
وحفلت حياة رابعة بكرامات كثيرة آمن بها البعض ولم يصدقها غيرهم من أمثال الفيلسوف عبد الرحمن بدوي، ويرد عبد المنعم حفني في هذا الكتاب على هذا الإنكار بقوله إن الكرامات مجال من مجالات علم النفس الغيبي، والاعتقاد فيها من بين دراسات هذا العلم. والكرامة لا تكون إلا لولي والمعجزة لنبي، وقد شهد للكرامة وللمعجزة فلاسفة وعلماء كبار من بين المسلمين والمسيحيين واليهود.
وننتقل إلى بعض كرامات رابعة، حيث قيل أن لصا دخل حجرتها وهي نائمة، فحمل الثياب وطلب الباب فلم يجده فوضعها فوجده، فحملها فخفي عليه، فأعاد ذلك مراراً، فهتف به هاتف: دع الثياب فإن نحفظها ولا ندعها لك وإن كانت نائمة.
ويروى عنها أنها ذهبت للحج وكان لها حمار يحمل متاعها فنفق، وتطوع من كانوا معها من القافلة أن يحملوا المتاع على دوابهم، ولكن رابعة قالت إنها لما نوت الحج لم يكن اعتمادها عليهم بل على الله فرحلوا وتركوها فقالت تناجي ربها: أهكذا يفعل الملوك بالمستضعفين من عبيدهم؟ وهل من الممكن أن يسمح الله تعالى بأن ينفق حمارها ويتركها الجميع وحيدة في الصحراء وما كادت تنتهي من كلامها حتى نهض الحمار حيا يسعى فوضعت عليه متاعها وسارت في طريقها لتلحق بالقافلة.
ويروى أيضا أن الحسن البصري رآها يوما جالسة على شاطئ الفرات فنشر سجادته على الماء وطلب إليها أن تعبر إليه ليصليا. فتعجبت منه رابعة وقالت: شطارة أهل الدنيا تريد أن تظهرها لأهل الآخرة.
لو كنت تريد أن تظهر بشيء فافعل ما لا يستطيع الناس فعله. ثم ألقت سجادتها في الهواء وطلبت إليه الصعود حيث الأمان أكثر والعيون لا ترى عجيب فعلها. وأردفت تريد التخفيف عليه: يا سيدي ما فعلته أنت يفعله السمك وما فعلته أنا يفعله الذباب والمهم أن نبلغ درجة أعلي من هاتين الدرجتين اللتين بلغناهما أنا وأنت.
وروي أنه لما حضرتها الوفاة قالت لأصحابها: انهضوا واخرجوا ودعوا الطريق مفتوحة لرسل الله تعالى، فنهضوا جميعا وخرجوا فما أغلقوا الباب حتى سمعوا رابعة تقول الشهادة فأجابها صوت (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) (صورة الفجر 27-30)
قالوا في العدوية
قال فريد الدين العطار "في تذكرة الأولياء": إن رابعة العدوية كأنها مريم ثانية.
أما الشيخ مصطفي عبد الرازق فقال عنها: إنها السابقة إلى وضع قواعد الحب والحزن في هيكل التصوف.
ووصف الغزالي حالها بقوله: إن حبها لرب الدار، أي الدنيا، شغلها عن الدار وزينتها، بل عن كل شيء سواه، حتى عن نفسها، ومثلها مثل العاشق المستهتر بمعشوقه، المستوفي همه بالنظر إلى وجهه، فإنه في حالة الاستغراق يغفل عن نفسه، ولا يحس بما يصيبه في بدنه ويغبر عن هذه الحالة بأنه فني عن نفسه.
وأوضح الغزالي معنى أن رابعة فنيت عن نفسها أي أنها صارت مستغرقة بغير نفسها وصارت مهمومة بالله ولم يبق منها متسع لغيره أو لنفسها وهذه الحالة هي التي توصل إلى قرة عين لا يُتصور أن تخطر في هذا العالم على قلب بشر.
أنت روح الفؤاد
كانت رابعة تنظم الشعر، ولها فيه أحوال شتي فمرة يغلب عليها الحب، ومرة يغلب عليها الأنس، ومرة يغلب علها الخوف، وهذه بعض الأبيات لها، والتي تذوب رقة وعذوبة:
أحبك حبين: حب الهوى
وحبّا لأنك أهل لذاكا
فأما الذي هو حبّ الهوى
فذكرُ شُغلت به عن سواكا
وأما الذي أنت أهلُ له
فكشفُك الحُجب حتى أراكا
فما الحمدُ في ذا ولا ذاك لي
ولكن لك الحمد في ذا وذاكا
يا سروري ومنيتي وعمادي
وأنيسي وعُدتي ومرادي
أنت روح الفؤاد أنت رجائي
أنت لي مؤنس وشوق كزادي
أنت لولاك يا حياتي وأُنسي
ما تشتتُ في فسيح البلاد
كم بدت مِنة وكم لك عندي
من عطاءٍ ونعمةٍ وأيادي
حُبك الآن بُغيتي ونعيمي
وجلاءُ لعين قلبي الصادي
ليس لي عندك ما حييت براحٍ
أنت منى مُمَكنُ في السواد
إن تكن راضياً عليّ فإني
يا مُنى القلب قد بدا إسعادي
راحتي يا إخوتي في خلوتي
وحبيبي دائما في حَضرتي
لم أجد لي عن هواه عِوضا
وهواه في البرايا مِحنتي
حيثما كنت أشاهِد حُسنه
فهو محرابي إليه قبلتي
إن أمت وجداً وما ثم رضا
واعَنَائي في الورى وشقوَتي
يا طبيب القلب يا كل المنى
جُد بوصلٍ منك يَشفى مُهجتي
يا سروري وحياتي دائما
نشأتي منك وأيضا نشوتي
قد هجرتُ الخلق جمعا أرتجي
منك وصلا فهو أقصى مُنيتي
وارحمتاً للعاشقين ! قلوبهم
في تيه ميدان المحبة هائمه
قامت قيامة عشقهم فنفوسهم
أبداً على قدم التذلل قائمه
إما إلى جنات وصل دائما
أو نار صدٍ للقلوب ملازمه
وزادي قليل ما أراه مُبلّغي
أللزاد أبكي أم لطول مسافتي
أتحرقُني بالنار يا غاية المنى
فأين رجائي فيك أين مخافتي
إني جعلتك في الفؤاد محدثي
وأبحتُ جسمي من أراد جلوسي
فالجسم من للجليس مؤانس
وحبيب قلبي في الفؤاد أنيسي
كأسي وخمري والنديم ثلاثة
وأنا المشوقة في المحبة: رابعه
كأس المسرة والنعيم يديرها
ساقي المدام على المدى متتابعه
فإذا نظرت فلا أُرى إلا له
وإذا حضرت فلا أُرى إلا معه
وتخللت مسلك الروح مني
وبه سمى الخليل خليلا
فإذا ما نطقتُ كنت حديثي
وإذا ما سكتُ كنت الغليلا
حبيبُ ليس يعدله حبيب
ولا لسواه في قلبي نصيب
حبيبُ غاب عن بصري وشخصي
ولكن في فؤادي ما يغيب
وفي إحدى المرات سئلت رابعة من أين أنت؟ فقالت من العالم الآخر. وإلى أين تذهبين؟ فقالت: إلى العالم الآخر. وماذا تفعلين في الدنيا؟ فقالت : أعبث بها وكيف تعبثين بها؟ فقالت: أكل خبزها وأعمل عمل الآخرة.
وهكذا بعد حياة عظيمة طاهرة تركت رابعة الدنيا لتذهب عالمها الخاص ... العالم الآخر.
المصدر: موقع محيط
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
3057 |
|
|
تاريخ
النشر: 15/01/2008 |
|
|
|
|
|
|