حين هجرنا البساطة !! ......
بقلم : ريما محمد أنيس الحكيم
حين هجرنا البساطة !! ...
يقول جلال الدين الرومي : (( في السماء .. حينما يكون ذلك القمر رفيقاً لك .. إذا طلع الصبح أو تأخر ، فلا تخش !! .. )) ..
فلتكن ثقتك بالله كبيرة ، و لا تخف .. فمهما طال الليل .. لا بد للصبح أن يتجلى علينا بنوره و أشعته ... !!
دعوةٌ إلى البساطة ، البساطة في التفكير و الاعتقاد ، و لمِّ شمل الاحتمالات .. البساطة في الحياة ..
مشكلتنا الحقيقية في الحياة هي أننا نُضخم الأمور ، نجعل من الحبة قبةً كما يقال .. فلو أننا نتعامل مع كل الأمور ببساطة ، لما أحسسنا بمدى قسوة حياتنا بكل تعقيداتها الجوفاء... إننا نحن الذين نعقد الأحداث و نضخمها .. مع أنها لا تستحق أي ثانية من وقتنا للتفكير بها ، ثم نشكو بعد ذلك من تعقيدات حياتنا ، و أننا نعيش في متاهةٍ لا نستطيع الخروج منها ..
فلنكن بسطاء .. راضين بكل ما قدره الله لنا ، و راضين عن كل ما يحدث معنا .. ولنبتعد عن التعقيد الذي حرمنا لذة العيش في الحياة حيث خلقنا الله .. حيث أمرنا أن نكون عبيداً له، لأنه ما خلقنا إلا لهذه الغاية : أسمى و أشرف غاية ، هكذا بكل بساطة .. عبيدٌ لله ..
قال تعالى : (( و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون )) .. لذلك إن جعلنا الغاية في كل ما نفعل هي ابتغاء وجه الله و عبادته .. عندها نعيش في قمة السعادة و البساطة ..
لكننا حين أبينا أن نكون عبيداً لله ، و أصبحنا عبيداً لغيره .. صاحب حياتنا تعقيدٌ ما بعده تعقيد ، و ها نحن الآن في عالمٍ مليءٍ بالعقد ، و ما دمنا نعيش فيه .. فلا بساطة ..
لماذا لا نطلب البساطة في كل شيء ؟ ..
ترانا نطلب الحرية و نجدُّ في طلبها ، نسعى إليها بكافة جوارحنا ، مع أنها موجودةٌ أمامنا ، أينما ذهبنا / مادمنا بسطاء/ ..
رأيتها مرة في عيني طفل صغيرٍ هرع إلى أخته الصغرى قائلاً لها بكل ما فيه من فرح و سعادة: (( لقد سمحت لنا ماما أن نصب العصير من الإبريق لوحدنا !! )) .. شعرتُ حينها بمساحة حريةٍ جديدةٍ أُعطيت لهذا الطفل، فشعر بها، و طار بها.. و نصَّبها حريةً بحجم العالم كله ..
إننا لا نرى الحرية بالرغم من وجودها أمامنا ، لأننا نطلب المزيد عن طريق التعقيد .. لماذا لا نعمل ببساطة ، و نرى الحرية أمام عيوننا بمجرد أننا أحياء .. أننا لا زلنا أحياء.. نتصرف في حياتنا كما نشاء ...
نطلب السعادة ، و نركض خلفها حتى نلحقها .. لكننا و لتعقيد حياتنا نبقى متخلفين عنها ملايين السنين الضوئية .. لماذا لا نراها في عيني طفل صغير حين اشترت له والدته تلك اللعبة التي طالما تمنى الحصول عليها .. فأحضرتها أمه هدية له في عيد ميلاده ..
نعيش في الاحتمالات ، و نسمح لها أن تعبث في رؤوسنا ، فتتعقد حياتنا و يُعكَّرُ صفو عيشنا... حتى في الموت ، حين يقترب ، نهرع إلى الله و ندعوه ألا نفقد أحداً ، و بالطبع هذا من عواطفنا التي ركبها الله في نفوسنا .. لكن حين يقترب الموت منا شخصياً ، نهرع إليه سبحانه طالبين منه النجدة و طول العمر ، كي نعبده فقط .. فقط ..
و قول طاغور : (( سأحب الموت لأني أحب الحياة .. يبكي الطفل عندما تسلبه أمه ثديها الأيمن ، و يرضى بعد لحظات بثديها الآخر !! .. )) ، ربما كان مقارباً للحقيقة .. في كل الأحيان .. إن عدنا بسطاء ..
لقد عرف علماء اللغة كلمة { البساطة } بأنها { الاتساع } ، فالمكان البسيط هو المكان الواسع .. و ربما كان تعريفها في الحياة مقارباً لهذا المعنى ، فالأشياء البسيطة والأمور البسيطة التي تحدث دون تعقيدات هي التي تجعل حياتنا واسعةً غير مُضيَّقٍ عليها ..
أنا لا أطلب بالعودة إلى البساطة أن نعود إلى النوم على فرش الأرض ، و لا أن نسير إلى الأماكن التي نرغب بالذهاب إليها على الأقدام .. لكنني أقصد البساطة في التفكير والمشاعر والأحاسيس .. البساطة في طلب الأمنيات و في انتظار الحوادث و الملمات .. البساطة في كل شيء ، حتى في الحزن والفرح و الحياة ..
فلنعد أطفالاً بسطاء ، ولنبتعد عن التعقيدات ..
و مهما حدث لنا ، علينا ألا نبتعد عن الطفل الذي في داخل كلٍّ منا ، علينا ألا نقتله لأنه - و في ظل التعقيدات التي تسيطر على عالمنا - ذاك الطفل هو الوحيد الذي يُشعرنا بالبراءة وبلذة الحياة ..
فلنبقَ أطفالاً مهما كبرنا ، و لنعد بسطاء حتى و إن تعقدنا ...
التعليقات:
0 |
|
|
مرات
القراءة:
2793 |
|
|
تاريخ
النشر: 25/06/2008 |
|
|
|
|
|
|