wwww.risalaty.net


إن الله معنـا ... (1)


بقلم : الشيخ محمد خير الطرشان

 

عنوان هذا الحديث: إنَّ اللهَ مَعَنَـا ...
كيف يعيش المؤمن بمعية الله سبحانه وتعالى؟ وما هي الأسباب التي توصله لكي يعيش في هذه المعية، ويشعر بطمأنينة القلب، ويعيش مرتاحاً آمناً مطمئنا ؟
المؤمن يعيش حياته في رحاب الله متّصلاً به، يؤمن بأن الله تعالى معه حيثما كان، ويشعر بأنه يحفظه في كل الأوقات، لا يغفُل عنه ولا ينام. إن شعور المؤمن بمعية الله تعالى وصحبته يجعله في أنس دائم مع ربه، ونعيم متصل بقربه، يحس أبداً بالنور يغمر قلبه ولو كان في ظلام الليل، يملأ عليه حياته وإن كان في وحشة أو قسوة من الناس.
المؤمن الصادق يشعر بما شعر به سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام عندما قال لبني إسرائيل لما رأوا فرعون وجنده يلحقون بهم، قال لهم:[]...كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ[] سورة الشعراء (62). ويشعر أيضاً بما شعر به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان في الغار حينما قال لصاحبه:[]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[] سورة الأنبياء (107).
نقف أمام هذا النص الذي أورده الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم عندما كان يتحدث عن سيدنا أبي بكر رضي الله عنه مع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار ثور حيث قال:[]إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ...[] سورة التوبة (40). فيا أهل مكة! ويا قريش! ويا أيها العرب! إذا لم تجتمعوا على نصرة محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله تعالى نصره، وأيّده، ولم يتخلَّ عنه ولن يتخلى عنه أبدا.
حكى لنا ربنا سبحانه وتعالى قصة نصره وتأييده ورعايته لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقال:[]...إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا...[] سورة التوبة (40). لقد أخرجه أهل مكة بعد جهاد طويل معهم، وعروض مغرية، عرضوا عليه المال والنساء والجاه والسيادة عن طريق عمه أبي طالب، لكن النبي عليه الصلاة والسلام كان يُعلن عن ثبات موقفه ومبدئه فيقول: "والله يا عمّ! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يُظهِره الله أو أهلِكَ دونه".
هكذا تحدّث النبي عليه الصلاة والسلام عن مبدئه وعقيدته ويقينه بقلبٍ ثابت، ويقين راسخ لم يتزعزع ولم يتبدل ولم يتراجع إلى الوراء، رغم الضغوطات الكثيرة التي تعرّض لها كالحصار في الشِّعب، فقد حوصر ثلاث سنوات حتى أكل ورق الشجر هو وأصحابه، أوذي في جسده وأصحابه، ومع ذلك صبر وأحسن إلى أهله وقومه، فكان الناس يطلبون منه أن يدعو عليهم، لكنه كان يقول: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون". وكان يقول في موضع آخر: "بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا". متفق عليه.
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان صاحب مبدأ ثبت عليه، وحافظ عليه وكان قلبه مطمئناً بالله سبحانه وتعالى، واثقاً ومحسناً الظن به. والله تعالى يقول كما ورد في الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي، فليظنَّ بي ما شاء".
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يعتقد أن الله سينصره ويؤيده ويمنعه ويدافع عنه في كل المواقف التي سيخوضها في المستقبل.
في غار ثور أصاب سيدَنا أبا بكر رضي الله عنه شيء من الخوف والاضطراب لا على نفسه، إنما على الإسلام، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن حماية أبي بكر رضي الله عنه ودفاعه وتأييده للنبي عليه الصلاة والسلام إنما هي حماية للإسلام، ودفاع عن الشريعة، ودعم لهذا الدين العظيم الذي سخّر الله تعالى له جنوداً كثيرين، منهم من كان يعمل سراً بأمر من الله تعالى، ومنهم من كان يعمل جهراً كسيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي سخّر نفسه، وولده عبد الله، وابنتيه أسماء وعائشة، ومولاه عامر بن فهيرة ليكونوا جميعاً في خدمة الإسلام ورعاية سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في هذه الأثناء كانت قريش قد أعلنت عن الجائزة الكبرى لمن يأتي بمحمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه أحياء أو ميتين، وهذه الجائزة كانت مئة ناقة من كرام نوق العرب، فطمع بها الطامعون، وسعى إليها الساعون، وأمر طبيعي أن يسعى الناس إلى جائزة، لكنهم لم يدركوا أن الله تعالى يحمي ذلك المطارَد الذي يلاحقونه، وأنه سيجعل معجزة عظيمة عندما يصلون إلى فم الغار. وصلوا فعلاً إلى أسفل الجبل حيث قال متتبِّع الأثر: إلى هنا انقطع الأثر. فصعدوا الجبل لعلهم يجدونهما هناك، فلما أن وصلوا إلى فم الغار وبدؤوا يبحثون في قمة الجبل اضطرب قلب أبي بكر رضي الله عنه، وخشي أن يظفر أولئك القوم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! لو أن أحدهم نظر إلى أسفل قدميه لرآنا. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "يا أبا بكر! ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما؟!". صحيح مسلم. ثم أنزل الله سبحانه وتعالى على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ما يؤكد هذا المعنى:[]...إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا...[] سورة التوبة (40).
من كان مع الله فلا يبالي بأحد في الدنيا كلها. كن مع الله ولا تبالِ. ماذا وجد من فقد الله؟ وماذا فقد من وجده؟! لقد خاب وخسر من رضي بغير الله بدلاً! أولئك الذين يظنون أن قدراتهم الذهنية، وإمكاناتهم البدنية، وممتلكاتهم المادية ستحميهم من دون الله، وستكون لهم حصناً منيعاً عن عقاب الله تعالى إن هم أخطؤوا أو أساؤوا أو قصّروا أو فرّطوا في حق الله. خاب سعيهم ولم يَصدُق ظنهم أنهم الأقوياء والقادرون على حماية أنفسهم؛ لأن الله تعالى هو وحده القادر على حمايتنا وحفظنا من أي سوء يمكن أن نقع به.
يتبـع / ...