wwww.risalaty.net


رداً على الشيخ محمد حبش والطبيب أحمد خيري العمري


 

تُشكِّل ثنائية (العقل والقلب) ركيزةً ودعامةً مهمة للحياة الإسلامية الصحيحة السليمة من كافة العلل.. فالحياة دون "عقل" حياةٌ فوضوية عشوائية..
والحياة دون "قلب" حياةٌ جامدة باردة...
والخطابُ الإسلامي يُركِّز على هذه الثنائية ويعتمدها في توجُّهه.. فهو يخاطب العقل والروح.. يخاطب الإنسان بكلِّ ما يتكون منه.. وهذا هو ما يتميز به الخطاب الإسلامي عن بقية المذاهب المادية المعاصرة..
لذلك كان للشيخ البوطي صولاته وجولاته في عالم الفكر والعقل، ثم في عالم القلب والروح.. ليكون خطابه في النهاية خطاباً شاملاً عاماً، مما جعله يصل إلى عقول وقلوب أناسٍ مختلفينَ شكلاً ومعنى.. فكراً وحياةً..
إن لشيخنا الجليل وقد أصبح في هذه السن (أطال الله عمره وبارك له فيه) رؤية روحية شفافة جعلته يتكلم بمعانٍ ومكاشفات وأفكار قد لا يقبل بها بعض الناس.. مما أدَّى بهم إلى مهاجمته وانتقاده في بعض مقالاتهم وكتاباتهم..
ومن أجل ذلك.. ننشر اليوم هذه القضية لنناقش أولئك الذين هاجموا الدكتور البوطي وانتقدوه.. لنتلاقى في ساحات الفكر على مفهوم واع للدين والفكر..
ولنعلن من منبر هذا الموقع: أن ساحة الفكر ساحة واسعة شاملة رحبة.. يمكن لنا جميعاً أن نتحرك فيها دون أي إقصاء لأحد.. وهي ساحة مسالمة، لا مجال فيها للتشفي وتصفية الحسابات..
محمد خير الطرشان
المشرف العام على موقع رسالتي.نت
 
 
لا ضرورة لخداع أو مواربة.. في مرافئ الفكرة
( رداً على الشيخ محمد حبش والطبيب أحمد خيري العمري)
لا شك أن الدكتور البوطي تتنازعه عبر مجموع سيرته الثقافية معادلة مركبة من (العقل والقلب).. وتتوحد في شخصيته المرّكبات (الفكرية والقلبية)... لتكوّن رؤية تكاد تكون متفردة في بلدنا سورية...
وتتمظهر هاتان الثنائيتان (الفكرية الوجدانية) متجاورتين في ممارسته الدعوية ووعيه الديني، فهو يحمل مشروع (العالِم الناسك). فذات العالم تحثه على التفكر والتداول العقلاني والحوار وقول الحق والحقيقة بوصفهما باباً ومدخلاً للدين الصحيح.... وذات الناسك تدفع به في ثبات ليكون الواعظ والمربي وصاحب الرقائق والحكم.
بهذين السلاحين واجه الدكتور سعيد خصومه، وقد حشرهم في زوايا محرجة.. وفي مسيرة الرجل العلمية نجد أن الرجل ارتقى أفقياً وعمودياً: ويظهر ذلك في الانفتاح العقلي، واتساع المصادر ومفهوم الهوية وسعة الصدر والمشاعر وتخطي حدود الزمان والمكان، ارتقاء السلوك، الحضور في قلوب الآخرين وأذهانهم ولاشك أن مقام البوطي لامس عدة من هذه الزوايا وبزّ وبلا منازع أقرانه... (كان شيخنا الشيخ كريم راجح يعد د. البوطي أعجوبة ملفتة في عالم التدين).. وقد تعزز موقعه العلمي في الحياة الثقافية الإسلامية وازداد نفوذه في قيادة الفكر الديني عبر المبايعة المعنوية أو العلمية له من كبار علماء الشام وقد بادر للمصالحة بين (الحكومة والناس) وتقريب وجهات النظر وكسر أي انعزال ومجموع كتاباته منطوية على نزعة توجيهية واثقة كل الثقة في أهمية استحضار الرقابة واستصحاب المعية الإلهية...
أسّس الدكتور البوطي تاريخاً جديداً للمؤسسة الفقهية المحافظة في سورية فقوّض البناء العقلي الذي يعتمد على كتب التراث فحسب، ونشّط الذهن المحافظ ليطّلع ويقرأ كتباً ليست صفراء... إن حضور د. البوطي المعزّز والمكرّم في أذهان الناس الذين يعرفون الحق وأهله، وفي قلوبهم معلل كما يقول المناطقة، لتأثيره في الحياة وفي الواقع الاجتماعي وصدق الإمام علي عليه السلام عندما قال : "من كمال السعادة السعي في إصلاح الجمهور" والشيخ السعيد بما فعله من خير وباهتمامه بأمور المسلمين ونضاله المعرفي وجهاده العلمي... يستحق كل تقدير, ومع الاحترام والمحبة لا يمنع نقده وحواره وقد فعلت ذلك معه في مقال سابق لي، فروائع الأفكار يفسر بعضه بعضاً والعقول الفذة مرايا يجلو بعضها بعضاً والثقافات تتمرّى على نحو متبادل كما يقول حرب...
ورحم الله الفيلسوف علي الوردي الذي قال : "من طبيعة الناس في كل زمان ومكان أنهم لا يمكن أن يتفقوا كلهم على رأي واحد، وهم لا بد أن يختلفوا في آرائهم ووجهات نظرهم. ومن هنا جاء المثل القديم وهو: "رضا الناس غاية لا تدرك". فلم يظهر في تاريخ البشر شخص أو شيء رضي الناس عنه جميعاً، ولكن الفرق بين شخص وآخر في ذلك هو في نسبة عدد الراضين عنه إلى عدد الساخطين عليه."
ولكن أجد أن الموضوع اليوم مختلف جداَ... فتصريحات سماحة الإمام البوطي حول (الغيث) و(انحباسه) آراء شخصية لا تحمل أي صفة إلزامية...
ü أليس من حق السعيد أن يبدي رأيه دون وجل أو خوف ما دام لا يحمل أي إساءة لأحد؟!! بخاصة أن د. البوطي قد بات مرجعاً لأهل دمشق بل لغالبية سورية... وجزى الله خيراً شيخنا الفاهم الخطيب أحمد معاذ الذي قال عن الغزالي المعاصر ما ينطبق على البوطي: "وربما نبا السيف الصقيل مرات قليلة, ولكن من ذا الذي ينسف سوابق جهاد الرجل العظيم صاحب سيف الحق المشرع دائماً في خدمة الإسلام, وقد شهدت له دروب الهداية وبحور العطاء وساحات العلم والدعوة والجهاد, يرفع فيها اللواء بشموخ العالم الحق ورحمة الداعية الهادي وغزارة العالم البحر".
فالاعتدال سنة لا يطيقها إلا الحكماء...
أعترف وبدون مجاملة أني شعرت بخفة واضحة في كثير ممن انتقد الشيخ وتهجم عليه...
ولعل من حقي أن أبدي رأيي في بعض ما جاء في كلام الشيخ الدكتور محمد الحبش أولاً ثم طبيب الأسنان أحمد خيري العمري ...
أتفق مع الشيخ الحبش والطبيب العمري على ضرورة المكاشفات والحوارات الفكرية ذلك أنه ليس ثمة قداسة لأحد وكل يؤخذ من كلامه ويرد...
³ ولتكن الجولة الحوارية مع الأخ الشيخ محمد الحبش يحفظه الله تعالى ...
لماذا يا شيخنا محمد الحبش هذا التعالي في النقد (دفاع عن الإيمان)؟!!
من مس الإيمان بأذى حتى تدافع عنه؟!
ولماذا هنا ظهر دفاعك عن الإيمان وغاب في مساحات أخرى؟!
أعتقد يا شيخنا الفاضل أنك جانبت الصواب وكان عنوان مقالك (استفزازياً).
ـ ثم كيف تقول عن المسلسل المنقود:
ولست أدري لماذا يكون مجرد مناقشة رجال الدين عدواناً على الله والشريعة؟!
أستغرب هذا الكلام منك فهل تعد النقاش مدعاة للمبالغة في التهجم؟!
أليس هذا الكلام الدفاعي عن مسلسل لا يحمل إلا سيفاً خشبياً وعن فن لا يقوى الدفاع عن نفسه فهو عمل درامي يجر وبجدارة إلى التطرف جراً!!! أليست ملامح مجتمعنا السوري تأبى كل تلك المظاهر!!! ولنكن صرحين يا د. محمد هل الساحة الدينية في سوريا تملك هذا الطيف المتنطع الذي تم عرضه في المسلسل؟
ولنفترض وجود هؤلاء فما مساحتهم؟
وهل يجوز تعميم الجزء على الكل؟
وما المصلحة في التعميم ؟
ثم هل تتم معالجة الجهل بجهل أكبر؟
أليس المسلسل يفتح باب الحساسية بين الجهات الرسمية وضمائر الناس الذين مسوا في شعائرهم ومعتقداتهم ؟!!
كان الأولى بك يا شيخ محمد وقد انتخبك الشعب في مجلسه أن تمثل إرادته وأن تطالب وأنت رجل البرلمان بفتح ملف المسلسل في القضاء وإحالة الكاتب والمخرج للمحاسبة القانونية بتهم السب والتشهير وخلق البلبلة وإثارة الفتنة والتشويه.
وهل قمت بدراسة آثار المسلسل النفسية والاجتماعية ومعرفة الحق القانوني لمكون واسع في المجتمع السوري، تمت الإساءة إليه واتهامه بشكل واضح ومفضوح وغير صحيح..
ثم لماذا كل هذا الذعر من القبيسيات مثلاً؟..
ولنفترض أن ثمة خطأ وهو موجود بلا شك عند القبيسيات وعند غيرهن..
ولكن، هل ترى أن العلاج كان يستهدف الخطأ أم أن النص كان يستهدف أصل الموضوع (التدين والحجاب)؟!
هل في إحياء الخصومات بين الناس والعداوات وتضخيم الأخطاء حل للخطأ أم أن هذا قد يؤدي إلى خطأ أكبر.
لقد وصلنا في سورية إلى شيء من القرابة والخصوصية بين الحاكم والمحكوم وبين الدين والسلطة وبات المسار الوطني والقضايا العليا تشغل الجميع, وأكاد أجزم أن أمن البلاد كما يعتقد كل المتدينون أو غالبهم هو الإيمان نفسه, كما أن جهود المرحوم السيد الرئيس حافظ الأسد واستمرار مسيرة الرئيس بشار في خلق مجتمع آمن يتوافق الجميع على ضرورة التأكيد عليه. فهل من الفطنة أن نتراجع عن مواقع ناجحة وصلنا إليها مدافعين عن مسلسل لا يخدم تلك التوجهات!!! وأنا أقول:
كل عمل فني أو نتاج فكري يحاول زرع فتنة بين أبناء البلاد هو عمل ينبغي محاسبته ومنعه.
أما الأخطاء في المؤسسات الدينية فعلاجها في إطار الفكر والتوجيه والمناصحة وليس في عمل شهواني مثير.
.    .    .    .    .    .
³ وأما وجه اختلافي مع الأخ الطبيب أحمد خيري العمري في موقفه من العلامة الإمام المربي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي:
فمنهج العمري قائم على (التبعيض) و(الحول) الذي لازم المقال برمته من البداية وحتى النهاية وهو منهج بدوره يدفع نحو عرض العضلات وثقافة العنتريات العلمية التي ستصب في نهاية الأمر مع الخصوم... ولا ترهب ذبابة...
فأنا أشك في أن أي طالب علم مبتدئ يجهل ما جاء في ثنايا المقال الذي كتبه العمري. كما أن كلام الدكتور البوطي له عند أهل الذوق والمواجيد تفسير وبيان ومن المفيد الاطلاع على رأي فضيلة الشيخ محمد خير الطرشان حول موضوع الرؤيا والكشف وحول الحكم الشرعي وتخريجاته في بيان ما قاله الدكتور البوطي حيث جاء في كلام شيخنا المنار محمد خير الطرشان في تعليقه على مقالة العمري:
"إن شيخنا الجليل الآن يتحدث بلغة أهل القلوب، و أما لغة الفكر فقد صال فيها وجال في حياته العلمية و التعليمية، ولم يكن له منازع.. وما أظنني أستنكر على رجل أفنى حياته في العلم والعمل، من أهل الصلاح والتقوى والعزوف عن الدنيا، أن يحدثني بإلهام رباني ألقي في روعه، وهذا مألوف عند سلفنا الصالح، واقرؤوا إن شئتم ما ورد في الرسالة القشيرية عن معروف الكرخي وبشر الحافي و الجنيد البغدادي والسري السقطي، كذلك ما أورده الإمام الغزالي عن المكاشفات في إحياء علوم الدين، وكثر في نصوص السلف قولهم: فسمع هاتفاً من السماء ينادي به أو يقول له... فإن كان لشيخنا مثل هذه المكاشفات، نتيجة رقة قلبه وصلته مع الله، ونقاء سريرته، وصلاح عمله، ونور بصيرته، فأرى أن الشيخ من خصوص الخصوص في هذا العصر، ويتكلم بلغة هؤلاء النخبة وليس بلغة العامة من الخلق، و إذا كان لدى أنصاف المتعلمين والجهلة والسطحيين جرأة على العلماء وأهل الله، فهو دليل على أنهم لا يدركون أبعاد كلام الشيخ الجليل - بارك الله في حياته.
إن للشيخ الجليل في هذه السن وبعد ثلاثة أرباع قرن أمضاها في العلم والدعوة رؤية روحية شفافة تناسب المقام الذي هو فيه، وتعكس المعاني التي يعايشها، وله أن يعبر عما يرى من مكاشفات وإلهامات.
ولو أردنا قراءة كلام الشيخ من ناحية مدلولات الأحاديث الشريفة لوجدنا فيها ما يتوافق مع كثير منها، فالنبي عليه الصلاة و السلام حذر المهاجرين من خمسة أمور واستعاذ بالله أن يدركوهن، و حذر من مصائب ستقع "و لبكيتم كثيراً" وأنذر من انتشار الربا والزنا ومنع الزكاة وبين ارتباط ذلك كله بمنع الغيث وانتشار الأمراض وحلول العذاب..".
ومنهج التفكيك هو الذي أوصل الطبيب العمري وبدون أي شعور إلى موافقته للأضداد في تكريس غير المطلوب فانشغال العمري في ثانوية (الرؤيا) جعلته يقف في خندق واحد مع من نسف كلام البوطي من ضرورة رد المظالم والكف عن الإساءة وإحياء مفاهيم الإنابة والتوبة عن المقابح الحضارية والمساوئ الاجتماعية.
وبذلك تلاقى العمري من حيث لا يدري مع خصوم الدين على إقصاء الحق الذي نادى به البوطي.
فالطبيب العمري في تضخيم انتقاده الرؤيا والاستهزاء بـ (رأيت فيما لا يرى النائم) برؤية البوطي التي تعبر على حد قول العمري نيابة عن نمطٍ من التفكير سائدٍ وشائعٍ وله جذوره القوية في موروثنا.. وهو ليس أول ولا آخر من تحدث وسيتحدث عن “المنامات”..
وقف العمري من حيث لا يدري مع خصومه الذين ينتقدهم، وتلاقى الأضداد (العمري وخصومه) على وأد الحقيقة فكلام الدكتور البوطي وانتقاده للمسلسل وحديثه عن قضايا تمس المجتمع ضاعت بين مصحِحٍ لجزئية وهو العمري ورافضٍ للبوطي بالكلية وهم خصوم البوطي.
ووجه انتقادي للعمري هو المنهج الانتقائي الذي للأسف يكبر الصغائر ويصغر الكبائر فالوقوف عند جزئية الرؤية وعدم التأكيد على المضامين التي نادى بها الشيخ الجليل تفكير مشوش, ويصب في النهاية في خانة لا يرضاها العمري فيما أظن.
ü وفي الختام آمل أن نتلاقى على مفهوم التدين الواعي جميعاً وأن تكون ساحة الأفكار ليست منصة لتصفية الحسابات أو التشفي أو التلميع وخير ما أنهي مقالي به هو معتقدنا حسب صياغة الحكيم الغزالي:
"إننا سنكشف عن نوايانا كلها, لأنه ليس لدينا ما نستحيي من إعلانه:
لقد رضينا بالله ربّاً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّاً ورسولاً, والتزمنا – يوم أسلمنا – أن ننفذ تعاليم كتابنا وسنّة نبينا صلى الله عليه وسلم, وليس في هذه التعاليم ولا في تلك السنّة ما يضير امرء يؤثر الكفر, ويرغب في العيش بعيداً عنها.
إنه سيعيش في بلادنا مثلنا, له ما لنا, عليه ما علينا.
فإذا اشترط أن نرتد عن ديننا حتى يرضى عنا, فسندعه يموت بغيظه, ولا يلومنا على ذلك إلا أحمق أو منافق.
ومن تعاليم كتابنا ووصايا رسولنا صلى الله عليه وسلم, أن نتحاكم إلى قانون بعينه, وأن نحارب منكرات بعينها, وأن نعرف في الدنيا بهذه الوجهة البينة.
وإلا فنحن – إن فرّطنا في ذلك – كافرون بما أنزل الله.
ومن تعاليم كتابنا ووصايا نبينا صلى الله عليه وسلم: أن نهتم بأمور المسلمين حيث كانوا, وأن نكره الأذى لهم, وندفع الضير عنهم ما استطعنا.
ونحن – إن فرّطنا في ذلك – كافرون بما أنزل الله.
وقد أحسنّا إلى جيراننا من أهل الكتاب.
فمَن قدّر منهم حسن عشيرتنا له شكرنا له جميع تقديره.
ومن غلبته ضغينة عدلنا مع أنفسنا.
وإذا وقع منا خطأ نحو أحد, فلسنا الذي يصر على هفوة بدرت منه.
ومن حق كل إنسان أن يجادلنا بالحق, وأن يُنزلنا على حكمه".
 
 
علاء الدين آل رشي
عضو اتحاد الكتاب العرب