wwww.risalaty.net


الشباب ثروة (1)


 

الشباب .. أخطر مراحل الحياة، وأعظم ثروة على الإطلاق
        مرحلة الشباب من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن مراحل عمره، والتي تبدأ بالطفولة، مروراً بالشباب، وانتهاءً بالشيخوخة. هذه المرحلة هي مرحلة الحيوية والإنتاج، المرحلة الممتلئة بالحماس، المتميزة بالعزم، الحافلة بالنشاط، مرحلة القوة بين ضَعفين؛ ضعفِ الطفولة، وضعفِ الشيخوخة، وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم بقوله سبحانه وتعالى:[]اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ[] سورة الروم (54). القوة التي بعد الضعف الأول وقبل الضعف الثاني هي مرحلة الشباب، ومن هنا كانت أهمية هذه المرحلة وأهمية العناية بها وتوجيهها؛ حتى لا تضلَّ الطريق ولا تَضيْعَ هذه الثروة التي هي أغلى الثروات على الإطلاق.
        ثروة الشباب أعظم غنىً وأكثر ثراءً من أي شيء له قيمة في هذه الدنيا. ثروة الأمم ليست في المدّخر في باطن الأرض، ولا في المنشور على ظاهرها، إنما ثروتها الحقيقية بما تمتلك من قوة في شبابها. ربما يتصور البعض أن الثروة الحقيقية تكون في المعادن الثمينة، كالذهب والفضة والألماس... لكن الثروة الحقيقة هي الإنسان، والثروة الحقيقة التي ينبغي أن نستثمرها عند الإنسان هي مرحلة الشباب. الإنسان هو أعظم ثروة، والشباب هو العنصر الأهم في هذه الثروة الإنسانية.
إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة فانظر إلى شبابها:
إذا أردنا أن نعرف مستقبل أمة من الأمم فلْننظرْ إلى موقع شبابها فيها، ما الذي يشغل الشباب ويمهمّهم في هذه الأمة؟ ما هي مُثُلُهم العُليا؟ ما هي أهدافهم في الحياة؟ ماذا يصنعون؟ فيمَ يفكّرون ويخطّطون؟ بأي شيء يحلمون؟ علامَ تدور أمورهم في مجالسهم وندواتهم؟؟ هذا ما ينبغي أن نسال أنفسنا عنه بشكل مستمر إذا أردنا لهذه الأمة أن تكون قوية وثريّة.
ما أحوجنا نحن - معاشرَ العرب والمسلمين - أن نعرف دور الشباب فينا، وأهمية هذه المرحلة التي يسأل الله سبحانه وتعالى عنها وخاصة يومَ القيامة حينما تُنصَب الموازين، وتُنشَر الدواوين، ويقوم رب العالمين بالحساب والسؤال، وتعرضُ الأعمال وتُنصب السجلاّت أمام الناس.
الشباب من أهم ما نُسأل عنه يومَ المحشر:
هناك أربعة أسئلة رئيسة تُعرَض على كل واحدٍ منا يوم القيامة، وهذا ما عبّر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع؛ عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به". سنن الترمذي. كيف أبليت شبابك؟ فيمَ أنفقت أيامك؟ هل ضيّعتها فيما يغضب الله سبحانه؟ أو أنك بدّلت ذلك بالحسنات، فكنت ممن يطيع الله ويرتاد المساجد، ويسعى في سبيل إعلاء كلمة الحق والدين؟ هل أمضيت هذه المرحلة في لهو ومعصية وغفلة وإعراض عن الله سبحانه وتعالى؟ أو أنك كنت مستثمراً لطاقتك وفتوتك وهمتك، فكنت تحفظ القرآن، وتدرس حديث النبي عليه الصلاة والسلام، وكنت تدعو إلى الله تعالى بحالك ومقالك، وتغار على حرمات الله، وتحرص أن يقوم دين الله تعالى على الوجه الأمثل؟؟ نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون جميعاً من الذين استثمروا شبابهم فيما يرضيه.
إن لم تكن من الناشئين في الطاعة فكن من التائبين المقبلين عليها:
هناك من قضى شبابه منذ نشأته في طاعة الله، وفّقه الله تعالى فنشأ في بيئة صالحة، لم تعرف المعصية طريقها إليه، ولم يتورط في ارتكاب الكبائر، ولم يفرّط في الفرائض والواجبات، فكان من السبعة الذين يظلّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهو ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح بقوله: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... وشابٌّ نشأ في عبادة الله". صحيح البخاري. لكن هذا لا يعني أن نغلق الباب على من تورّط في المعاصي، أو وقع في الغفلة، أو عاش فترة من حياته في حالة من الإعراض عن الله سبحانه وتعالى، فانزلق أو غوى أو ضلّ أو انصرف يميناً أو شمالاً، فباب التوبة مفتوح، ولا يجوز لنا أن نغلقه في وجه أحد، والشاب التائب المُقبِل على الله هو من أحب الناس إلى الله تعالى.
ليس غريباً أن يقع الإنسان في المعصية أو في ذنب من الذنوب، إنما العجيب أن يستمرئ الإنسان طريق المعصية والذنوب ويجدها سهلة هيّنة لينة، ولا يرجع إلى ربه سبحانه وتعالى قارعاً بابه تائباً نادماً مستغفراً أوّاباً قائلاً كما قال أبوه آدم وأمه حواء من قبل:]رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ[ سورة الأعراف (23). إذا كان أبونا آدم وأمنا حواء قد عادا إلى ربهما سبحانه وتعالى، فما بال الواحد منا إذا وقع في المعصية يستسهلها ويستمر فيها ويصرّ على الصغيرة حتى تتحول إلى كبيرة؟؟ ليست المشكلة أن تزل القدم بالإنسان فيقع في معصية ثم يستغفر ويتوب ويُقبِل على الله سبحانه وتعالى، ويذرف الدمع بين يديه، لكن المشكلة الحقيقية أن يستمر أحدنا في المعصية الصغيرة حتى تنقلب إلى كبيرة، ثم يجد الكبيرة أمراً سهلاً وهيناً.
من لم ينشأ في طاعة الله فليكن من الصنف الآخر؛ صنف التائبين، المقبلين على الله سبحانه وتعالى الذين وصفهم ربنا سبحانه بقوله:]...إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ[ سورة البقرة (222).
______________________________
من كتاب : نور على نور للشيخ محمد خير الطرشان ج2